الاثنين، 11 مايو 2015

زرادشت النبي: فرانسوا غوفان


ترجمة : الحسن علاج

« يوجد في حوزتي في الوقت الراهن شيء جيد أزفه إليك: فقد قمت بخطوة جريئة ـ وأعني بالقول واحداً من [تلك الكتب] التي ستكون مفيدة لكم. يتعلق الأمر بعمل صغير [لاتتجاوز صفحاته مائة صفحة مرقونة]، بعنوان هكذا تكلم زرادشت. كتاب للجميع وللاأحد. إنه”قصيدة“، أو ”إنجيل“ خامس(1) أو شيء آخر لايوجد له اسم بعد.(2)»

Caspar David Friedrich
“Le voyageur contemplant une mer de nuages”
هذه هي الكيفية ، التي قدم بها نيتشه ، في 2 فبراير 1883، إلى ناشره، إرنست شميزنر (Ernst Schmeitzner)، ما يصفه كأنه «من مسافة بعيدة يعتبر الأكثر جدية والأكثر مرحًا مما أبدعت، ثم إنه في متناول الجميع».
سيأتيه  الإلهام، على حد قوله، أثناء نزهة بمحاذاة بحيرة سيلفا بلانا، بمقاطعة غريزون [سويسرا](3). وقد أنساه الهواء النقي للجبل لقاءه، مايقارب الخمسة عشر سنة فيما بعد، مع المستشرق أستاذ الفلسفة هيرمان بروكهاوس (Hermann Brockhaus)(4)، مترجم زرادشت الفارسي الأسطوري؟ وعلى الرغم من ذلك فقد كانت مناسبة جديرة بالذكر: ففي هذا المكان التقى ريشار فاغنر(5) الذي لم تكن أخته أوتيليا، سوى زوجة بروكهاوس... هل اختار نيتشه، على الرغم من ذلك، ربط مصيره بالمؤسس الأسطوري لديانة فارسية عتيقة؟ عاش زرادشت(6) في الشرق الأوسط بين الألفية الثانية والألفية الأولى قبل يسوع المسيح وهو من سيؤلف الغاثا (Gathas)(7)، الأناشيد المقدسة إكراماً لأهورا مازدا (Ahura Mazda)(8)، المبدع الأوحد للعالم. والزرادشتية، كديانة سيعمل على تأسيسها أو إصلاحها، ستشكل آنئذ واحدة من الديانات التوحيدية الضاربة في القدم. وبالرغم من ذلك يتوجب على مازدا أن يقتسم خلقه [للعالم] مع الشرير أهرمان (Ahriman)(9). يعتبر كل من الخير والشر في الغاثا رهانين ساميين للحياة .


قلب القيــم
«هكذا تكلم زرادشت» هو على أي حال صيغة اختارها نيتشه بغاية إكمال كل نشيد من أناشيد زرادشتـ(ـه)، قصيدة فلسفية مطولة وفيها تتناوب الأبيات، الحوارات، والمواعظ. نقطة انطلاق الرحلة؟ مدينة يطلق عليها «البقرة المرقطة»(10)...
نيتشه يتلهى. فاختيار الشخصية ذاته هو اختيار ساخر: « اختلق زرادشت هذا الخطأ القدري الذي هو الأخلاق؛ بناء على ذلك عليه أن يكون أول من يعترف بخطئه»، كتب في هذا هو الإنسان (1888). صحيح أن الكتاب لم تكن قراءته سهلة دائما؛ هذا هو حال الحكاية الشهيرة لتحولات العقل الثلاثة(11)، التي تم عرضها منذ الاستهلال، إدانة تامة لمشروعه « في قلب كل القيم ». كان العقل في أول الأمر جملاً -لم يكن نيتشه يعرف أن زرادشت تعني «حادي جمال»-، حيوان قوي بامتياز، يحمل أحمالاً ثقيلة جداَ في الصحراء (رمز العقل الديني التقليدي). التحول الثاني: يصير العقل أسداً، هذا الحيوان الذي يسعى إلى سلب الحرية وفرض إرادته ضد كل واجب. بيد أن الروح -أسد ليس بإمكانه سوى معارضة القيم. فهذه الأخيرة هي التي تقوم بتجديد ما يرغب فيه بطريقة غير مباشرة. إنه « إنكار إلهي»، غير قادر على ابتكار قيمه الخاصة.
سيقول زرادشت الشيء نفسه في وقت لاحق «الإنسان الأخير»: الإنسان المتشكك، الحديث، العدمي، الذي يؤكد احتقاره لكل القيم والمعتقدات، ولأن «الإله قد مات» بالنسبة له، على أنه لم ينجح في إعطاء معنى لحياته. على خلاف ذلك، فإن الطفل، التحول الثالث للعقل، يجسد بالنسبة لزرادشت الـ«بياناً مقدساً». وهو في ذات الوقت براءة ونسيان، فهو لاتثقل كاهله القيم الموجودة، بيد أنه لايتعين كنقيض لها وحسب، مثل الأسد. يعتبر الطفل عقلاً مرحاً، متحرراً، يرغب في إرادته الخاصة، عالمه الخاص، « العود الأبدي لكل الأشياء».



وجهة الإنسان الأعلى(12)
إن فكرة العود الأبدي(13)، يقول نيتشه في هذا هو الإنسان (1888)، هي « تصور جوهري» لهكذا تكلم زرادشت. وهو القول أن الكل -كل فعل من أفعالنا وأفكارنا، كل موقف نحياه- يعود من جديد إلى المماثل. وبالتأكيد، فإن مسألة العود الأبدي، يعرض لها كتاب العلم المرح (1882) بوصفها حكمة سامية: «كم يلزمك كي تحب الحياة، كما تحب نفسك حتى لاترغب في شيء آخر غير هذا الإثبات الأبدي السامي!» ومع ذلك، فإن ما يهم نيتشه في المقام الأول، ليس أن كل شيء يعود كما هو -فهذه الفكرة قديمة [مثل قدم] العالم، وهو يعرف ذلك-، بل لأن ذلك المنظور يسمح لكل واحد بتقويم حياته بالنسبة لقيمه الخاصة: فعلى كل واحد منا معرفة ما إذا كنا نطمح إلى بعث ما نحن بصدد عيشه. بدون حاجة إلى إله أو أخلاق لغاية المعرفة. لكن أن يرسخ المرء أخلاقه الخاصة، فلا أحد بمقدوره فعل ذلك. وعليه فإن رسالة زرادشت هي: تعليم الناس «مجئ الإنسان الأعلى(14)» تعني حرفياً «الإنسان الأعلى». هكذا تكلم زرادشت هو أول كتاب يستدعي مجاوزة الإنسان: «الإنسان حبل منصوب بين الحيوان والإنسان الأعلى، حبل مشدود فوق الهاوية»، يصرح زرادشت في الاستهلال(15).
وجهة الإنسان الأعلى، هي والحالة هذه صورة علامة موضوعة في الأفق. من يكون؟ «نموذج جديد»، يكتب نيتشه، «عقل حر» يحدد بنفسه معنى حياته، قيمه، عالمه، بعيداً عن أمر القيم المشتركة. ومن بين فضائله، حب الذات (selbstliebe) -مع عدم خلطه بالأنانية، خاصية المنحط والحياة، حساسية مفرطة بل أيضاً الشجاعة والصلابة اللازمة لتحقيق قيمه.
الإنسان الأعلى منعزل تقوده إرادة القوة -لاثأر، لاعنف، لاهدم تام. ابتكار مرح، قوي، ينشط الإنسان الأعلى- الذي لاوجود له! زد على ذلك فإن نيتشه لم يحسب نفسه مطلقاً على هذا النحو، ولازرادشته. وعد نيتشه ناشره بفوز قريب. نشر الجزء الأول من العمل سنة 1883. إنها خدعة. سنتان فيما بعد، سيؤدي الفيلسوف ثمن نشر الجزء الثاني من جيبه. قرأه معادون للسامية، اعتقدوا أنهم بذلك أماطوا اللثام عن موهبة. سوء فهم تام(16). وصفهم نيتشه بـ«الأوغاد». أما أولئك الذين ظنوا أنهم وجدوا في كتابه نبوءة جديدة، فقد مقتهم. «لايتحدث هنا " نبي"، أحد أولئك الكريهين، كائنات هجينة مكونة من المرض وإرادة القوة، والمعروفة باسم مؤسسي الأديان»(17)، كتب في هذا هو الإنسان. ومثلما تم تقديمه وبالرغم من أن زرادشتـ(ـه) يعتبر كتاباً « قطعياً»، « مقدساً»، فإن لديه شيء من الإنجيل: «من بين كل أعمالي يحتل زرادشتـ(ـي) موقعًا خاصًا؛ عبره تقدمت إلى البشرية بأكبر هدية لم يسبق لها أن نالت مثلها إلى حد الآن. هذا الكتاب، بنبرته التي تعبر آلاف السنين، ليس أعظم كتاب على الإطلاق فحسب: كتاب أعالي بحق -يبدو الواقع الإنساني بكليته رابضاً على مسافة خيالية من تحته-، إنه أيضًا الكتاب الأكثر عمقًا، كتاب طالع من الأعماق السرية لكنوز الحقيقة؛ بئر لاتنضب حيث لاتنزل دلو دون أن تصعد ممتلئة ذهباً وخيراً كثيراً.»(18)
يأسف كثيراً: أن لاأحد طلب منه، كيف به هو المؤلف، يقوم بتأويل عمله. «ما من أحد سألني، يتعين علي أن أسأل نفسي، ما معنى اسم زرادشت في فم أول لاأخلاقي» ألا يعتبر اللافهم من حظ الشعراء؟


الهوامش من إعداد المترجم
(1) كتب نيتشه إلى صديقته مالفيلدا فون مايزنبورغ: «إنها قصة رائعة: لقد تحديت كل الديانات ووضعت «كتاباً مقدساً» جديداً! وبكل جدية أقول إنه على غاية من الجد كما لم يسبق لكتاب آخر أن يكون، وإن كان قد استوعب الضحك وأدمجه داخل الدين». هكذا تكلم زرادشت ص 15
لاشك أن لغة نيتشه الفلسفية لغة تحتفل بالهدم والتدمير والتفكيك، لغة لاتعرف المهادنة أو تقف عند أنصاف الحلول، فهي تتخذ من التحدي ومعانقة الصعاب والوقوف على حافة الهاوية، محلقة في الأعالي، أعالي الأجرف والصخور الناتئة الأكثر خطراً... ويهدف إنجيل نيتشه الخامس بلغته المدمرة إلى الإرباك والتشكيك في كل اليقينيات وخلخلة الثوابث التي تأسست عليها الحقيقة [التي يضعها على الدوام بين ظفرين]، شأنها في ذلك شأن العقل، الإيمان، الدين، الله، الحداثة، التقدم، الأخلاق.. ونيته في ذلك كما سبق، هي هدم بناءات هذه الأصنام المتداعية والمصابة بالأعطاب والخراب والأمراض الفتاكة القاتلة، وكل ما يكون عسيراً على الهضم،  حتى نتحدث بلغة نيتشه.. إنجيل نيتشه [هكذا تكلم زرادشت] إنما جاء لكي يخلخل الجاهز من الحقائق ويقوض المعتقدات ومن أجل زرع الشك في البديهيات ويرتاب في كل ما اعتبره تاريخ الفلسفة "حقيقة"، إنما هو من وجهة نظر نيتشه وهم.. ويشكل كتاب هكذا تكلم زرادشت أو إنجيل نيتشه الخامس، معارضة ساخرة للعهد الجديد الذي دشن عصر المسيحية التي يعتبرها نيتشه أفلاطونية جديدة في كتابه جنيالوجيا الأخلاق، ولكون أن المسيحية إنما أتت لتذم الحياة وتعدم الجسد وتتقزز من الغرائز،تحتفل بالعقل، وتلغي اللاعقل والجنون، وتتشاءم من الضحك والنسيان، تمجد الكآبة والشفقة وتستوصي بالرحمة، وترتمي في أحضان الموجود بما هو موجود، ومكرسة نسيان الكينونة على حد تعبير هايدغر. وفي ذات السياق يقول نيتشه بخصوص "إنجيلـ"ـه الخامس: « لقد وهبت الإنسانية أعمق كتاب مما يوجد بحوزتها اليوم: زرادشتي ، وعما قريب سأكون قد قدمت لها الكتاب الأكثر استقلالية». غسق الأوثان. فريدريك نيتشه. ترجمة علي مصباح منشورات الجمل 2010 ص 167. وفي السياق ذاته، يقول نيتشه إنه اختار زرادشت بالضبط لكي يجعل بطله يقول ”العكس تماماً“ لما قاله زرادشت التاريخي. زرادشت نيتشه.  بيارهيبر سوفرين. ترجمة أسامة الحاج المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. طبعة أولى 1994 . ص 31
(2) يعتبر هذا النص في أصله  رسالة بعث بها نيتشه إلى ناشره أرنست شمايتسنز بتاريخ الثالث عشر من شهر فبراير 1888. هكذا تكلم زرادشت منشورات الجمل. ترجمة علي مصباح. طبعة أولى 2007 صفحة 15.
(3) يقول نيتشه بهذا الخصوص: « كنت يومها أتمشى داخل الغابة على ضفاف بحيرة سيلفا بلانا؛ وعلى مقربة من قالب صخري قائم على شكل هرم غير بعيد من سورلاي توقفت للاستراحة. هناك جاءتني تلك الفكرة» ويشير هنري ألبير (Henri Albert)، في التقديم الذي خص به ترجمته لكتاب هكذا تكلم زرادشت، إلى أن فكرة زرادشت تعود عند نيتشه إلى السنوات الأولى أثناء إقامته بمدينة بال السويسرية. كما توجد علامات في المذكرات التي تعود إلى سنتي 1881 و1882. على أن التصور الأساسي للعمل، تجلى أثناء إقامة نيتشه بإقليم أونغادينا في صائفة 1881 حيث التمعت في ذهنه فكرة العود الأبدي.
وفي تلك الأثناء تبلورت الفكرة في ذهنه: وتحمل دفاتر مذكراته ومخطوطاته لسنتي 1881 و1882 العديد من الإشارات، ثم إن كتاب "العلم المرح" الذي عمل على تأليفه في تلك الأثناء يتضمن «مائة إشارة عن دنو شيء لامثيل له». انظر: هكذا تكلم زرادشت. ترجمة هنري ألبير. نسخة إلكترونية: بيار هيدالغو ، يناير 2012 ص 11
(4) هيرمان بروكهاوس ( 1806ـ 1877 ) مستشرق ألماني
(5) ويلهلم ريشار فاغنر (Wilhelm Richard Wagner) (1806ـ 1883) مؤلف موسيقي ألماني في الحقبة الرومانسية ، ومؤلف لخمسة عشر أوبيرا .
(6) تم نسيانه من قبل تاريخ الأديان. يعتبر مبتكر الديانة التوحيدية منذ 3700 سنة خلت، يعود له الفضل في ظهور ديانة الإمبراطوريات الفارسية إلى حدود ظهور الإسلام.
(7) الغاثا، هي خمسة أناشيد تنسب إلى زرادشت، والتي تشكل جوهر الديانة الزرادشتية. وقد تم تحريرها بالأفيستا القديمة، وتنقسم إلى سبعة عشرة نشيداً. عن موقع: www.amazon.fr
(8) أهورا مازدا (تعني بالفارسية: رب- حكمة) يشكل الإله المركزي للديانة المزدكية القديمة. وبعد الإصلاح الذي قام به زرادشت لصالح العبادة المزدكية القديمة، أصبح أهورا مازدا إلهاً وحيداً، مجرداً ومتعالياً عن الزرادشتية.
(9) يعتبر روحاً شريرة تتعارض مع أهورا مازدا في الديانة الزرادشتية. ويدل اسمه على «الفكرة القلقة» أوالـ«فكرة الخبيثة». في البدء خلق أهورا مازدا، باعتباره إلهاً علياً، روحين متعارضين: [روح خيرة، روح مقدس] و[روح شريرة]. فيما بعد، سيتم استبدال الروح الخيرة بأهورا مازدا بوصفه منافساً لأهريمان.
(10) أخذنا هنا بترجمة علي مصباح الذي يشير في هامش الصفحة 64 إلى أن ترجمة ”البقرة المرقطة“ تعني حرفياً ”البقرة الملونة“ وهي عبارة ساخرة من اللسان الشعبي الألماني وتستعمل لتسمية النواتاة العمرانية الصغيرة ذات التركيبة السكانية الملفقة والمتنافرة والتي لاتتوفر في أهاليها خصال الحس المدني والوطني التي تميز الحاضرة أو الأمة. هكذا تكلم زرادشت ص 64
(11) تحولات العقل الثلاث: تحول العقل إلى جم ، والجمل إلى أس ، والأسد إلى طفل بالنهاية. انظر الصفحا : 61ـ 64 من كتاب زرادشت. وفي هذا السياق يقول بيار هيبر سوفرين: «يبدأ زرادشت باستعارة تبرز أطوار التحول الثلاثة: يعلم كيف أن علينا، إذ ننطلق من الطاعة السلبية الخاصة بالجمل، الموافق دائما على القبول بالأثقال التي فرضها عليه، أن نقلب أولاً كل حمل القيم، بفظاظة الأسد الشرسة، وننتقل بعد ذلك إلى خلق قيم جديدة بأصالة الطفل البريئة.» زرادشت نيتشه ص 128-129 وفي نفس السياق ننصت إلى تأويل جيل دولوز: «الجمل هوالحيوان الذي يحمل عبء القيم السائدة، أثقال التربية، والأخلاق والثقافة. يحطم الأسد التماثيل، يدوس الأثقال، يتولى نقد كل القيم السائدة. أخيراً يمتلك الأسد أن يصبح طفلاً، أي لعباً وبداية جديدة، خالقاً لقيم جديدة ومبادئ تقويم جديدة.» نيتشه. جيل دولوز. ترجمة أسامة الحاج المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. طبعة أولى 1998 . ص 5
(12) عن الترجمة: يعترف علي مصباح في هامش الصفحة 40 من كتاب هكذا تكلم زرادشت، بصعوبة ودقة مصطلح الإنسان الأعلى، فقد اختلفت مجمل الترجمات العربية في محاولاتها لإيجاد العبارة المناسبة لكلمة (uber mensch) الألمانية أو (surhomme) الفرنسية. كما يذكر القارئ أيضاً بأن كل الترجمات تمت عبر لغة وسيطة. لذلك فإن عبارة (uber –mensch)  مركبة من (uber) وتعني ”فوق“ و ”ما فوق“ تشير إلى منزلة أخرى، أي أن المنزلة الجديدة هي التي تتفوق على على المنزلة القديمة، وليس إنسان المنزلة القديمة هو المتفوق على بقية بشر منزلته. ألا يقول زرادشت ويردد منذ بداية الكتاب حتى آخره: «الإنسان شيء لابد من تجاوزه». فالمعنى واضح هنا. يعني أن زرادشت يطمح إلى نوع جديد وكيان مختلف نوعياً وليس متفوقاً ضمن النوع نفسه.
ويعرف نيتشه الإنسان الأعلى في كتاب ”هذا هو الإنسان“ قائلاً: إن عبارة الإنسان الأعلى كصيغة للتعبير عن نموذج الاكتمال الأعلى، أي كنقيض للإنسان «الحديث»، و«الإنسان الخير»، وللمسيحيين وغيرهم من العدميين -العبارة التي تتخذ على لسان زرادشت مدمر الأخلاق معنى يدعو إلى التفكير- نراها تفهم في كل مكان تقريباً وببراءة تامة طبقاً للقيم التي تتناقض كلياً وتلك التي جاء ينادي بها زرادشت؛ أعني بذلك كنموذج «مثالي» لنوع راق من البشر، نصف «قديس» ونصف «عبقري». انظر: هذا هو الإنسان. ترجمة علي مصباح. منشورات الجمل 2003. هامش الصفحة 68 في ذات السياق انظر: تأويل هايدغر لفكرة الإنسان الأعلى. في الفلسفة الألمانية: هايدغر ضد نيتشه . د . محمد الشيكر منشورات الزمن 2013  ص 80 ـ 81
(13) بخصوص فكرة العود الأبدي ينظر كتاب هذا هو الإنسان ص 84 وكتاب غسق الأوثان أو كيف تتعاطى الفلسفة قرعاً بالمطرقة. ترجمة علي مصباح . منشورات الجمل . 2010  ص : 179 حيث نقرأ مايلي:... وبهذا ألامس مجدداً ذلك الموقع الذي انطلقت منه: لقد كان «مولد التراجيديا» أول عملية قلب لكل القيم قمت بها؛ وبذلك أجد نفسي أقف من جديد فوق الأرض التي نبتت منها إرادتي، ومقدرتي، أنا آخر تلامذة الفيلسوف ديونيزوس ، -أنا ، معلم العود الأبدي ...
(14) ينظر بهذا الخصوص الصفحة 53 من كتاب هكذا تكلم زرادشت
(15) انظر: ديباجة هكذا تكلم زرادشت ص 45
(16) يتعلق الأمر بكل أولئك الذين تأولوا نيتشه بغرض تشويه فكره وبالتالي جعله مطابقاً لأطروحاتهم المعادية للسامية، والمتماشية مع الإيديولوجيا النازية التي يبرئ نفسه منها، وذلك بنقدها وذمها لأكثر من مرة، ولعل من ضمن هؤلاء الذين اساؤا إلى نيتشه، بتحوير فكره وتشويهه كي يخدم مصالحهم النازية، أخته، إليزابيث فورستر نيتشه، وزوجها، وبعض القوميين من أصدقاء نيتشه وتوماس مان في مداخلته الشهيرة « نيتشه في ضوء تجربتنا التاريخية ». انظر: حوار مع علي مصباح عن موقع : www.nietzschecircle.com
(17) انظر: هذا هو الإنسان ص 10
(18) اعتمدنا هنا ترجمة علي مصباح . انظر: هذا هو الإنسان ص 10

المصدر: المجلة السبوعية الفرنسية Le Point  عدد ممتاز تحت عنوان:

 Nietzsche le philosophe de l’anticonformisme عدد 14 يونيو ـ يوليوز 2013 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق