السبت، 6 أغسطس 2016

لماذا نجد تماثيل بأعضاء تناسلية صغيرة؟: رونى غروسار



ترجمة: فاطمة بوصوفة

«في روما، ضخامة القضيب مرعبة» يقول المؤرّخ تييري إلوا.
بعيداً عن مخيال المشاميل والكليشيهات الأخرى، كان العضو التّناسلي عند الرّومان يرتكز على نظرة مختلفة للزّوجين.


حوار مع المؤرّخ تييري إلوا أجراه الصّحفي الفرنسيّ رونى غروسار منذ أربع سنوات ويعيد نشره على موقع: نهج 89 نوفال أوبسارفاتور بتاريخ 2016/07/07

تناقلت العديد من صفحات الموقع الاجتماعي الفايس بوك خلال الآونة الأخيرة نشر فيديو مأخوذة عن موقع مجلّة نيويورك.

 
 أين نشاهد من خلالها تفسيراً عن أسباب صغر حجم أيور لتماثيل قديمة:
«في اليونان القديمة كانت الأيور ذات الحجم الصّغير لها الأفضليّة عن الأخرى الضّخمة... إذ تقترن هذه الأخيرة بالبلاهة، بالنّفعية، وبالبشاعة»

في سنة 2012 كنّا قد حاورنا المؤرّخ تييري إلوا الذي قام بتقديم شرحاً مفصّلاً عن النّظرة الرّومانيّة للحبّ والجنس.
عُثِرَ بالقرب من منطقة لا تاميز بلندن، على قطع نقديّة لمشاهد برونوغرافيّة؛January   مع بداية شهر جانفي أين نرى زوجين في وضع جماع.
مبدئيّاً وحسب مصدرنا -لو غارديان- كانت تُعْتَمَدْ هذه القطع النّقدية كعملات للتّداول بين الروّمانيّين داخل المواخير، بيوت الدّعارة في ذلك الزّمن.

 
القطعة النقدية المشار إليها بمقالة نشرت بالغارديان

كانت الفرصة جيّدة إِذاً لمحاورة  تييري إلوا، الأستاذ المحاضر الّذي تناولت بحوثه المثيرة هذا الموضوع كما يشير إلى ذلك عنوان كتابه حول: "الأيروتيكا الذّكوريّة في روما القديمة".

الأيروتيكا الذّكوريّة في روما القديمة



س. ما عدى هذه القطع، هل كانت توجد برونوغرافيا رومانيّة؟ بذهني تحديداً فسيفسائيات بومباي، التي يقال إنّها كانت تعمل على إثارة الزّبائن والإعلان عن اختصاصات المومسات...
ج. أُعِدَّتْ هذه الأنواع من القطع النّقدية الصّغيرة واللّوحات الأيروتيكية لِتُسْتَخْدَم كرموز داخل المواخير، باعتبارها أماكن انسكاب المتعة.
إنّ حياة الرّومان شديدة التّقسيم كحجرات. هل كان يوجد برونوغرافيا في روما، أجل. لَكِنْ، موجّهة لمن ومتى؟ لا يمكننا أن نتصوّر رجلاً رومانياً يتحدّث عن الحرب وفجأة ينتقل للحديث عن الجنس. الفضاءات جدّ محدّدة.

فسيفسائية ماخور ببومباي
يقسّم الرّومانيّ أيّامه إلى جزئين: في الصّباح يخصّص وقته للمواطن العسكريّ؛ ثمّ عند الظّهر، ينتقل إلى الحمّامات العموميّة. وهي تعتبر ضرّوريّة، مثل منخل انتقاليّ ما بين جديّة الصّباح والفضاء الخاصّ ألا وهو مأدبة ما بعد الظّهر.



س. أكّدت في كتابك على نظرتنا المحرّفة للجنس داخل روما القديمة...
ج. نعم، على سبيل المثال، غالباً ما قلنا إنّ الرّومان كانوا يمارسون اللّواط منذ العصور القديمة. ولقد تمّ البحث عن نموذج مدهش، للتصدّي ضدّ التمييزات العنصريّة  الحالية.
غير أنّني أتحدّى أي شخص أن يترجم لي كلمة المثليّة الجنسيّة للإغريقية أو للاتينية، وحتّى الثّنائيّة الجنسيّة، أو حتّى كلمة جنسيّ وحسب. إن لم توجد هذه الكلمات فلا وجود لممارسات جنسيّة مماثلة.
ما نسمّيه اليوم بالجنسانيّة ما هو إلاّ تصوّر منبثق عن مادّة التّحليل النّفسي. هي تركيبة داخليّة شاملة في علاقتها الأولى الّتي تضمّ صلة الآباء بالبيئة الاجتماعية. أن نرغب في إسقاط هذا النّموذج الّذي أفرزته البرجوازيّة الرّأسماليّة على روما القديمة فهو عين المغالطة التّاريخيّة.
هذا لا يعني أنّ الرّومان والإغريق لا يدركون اللّذّة، لكنّها بعيدة كلّ البعد عمّا نسمّيه الجنسانيّة.

س. يوجد أيضاً كمّا من تلك الأساطير الّتي تحوم حول اللّواط...
ج. آه، اللّواط، ذاك الموضوع الشّهير...علينا أوّلاً أن نذكّر بماهية اللّواط.
 عند الإغريق يحتاج الأفراد الانتقال من عالم الطّفل. هي مرحلة تعليميّة.
 ولكن، كما في كلّ الثّقافات، فاليوم لن يكون إلّا ضرباً من رخصة سياقة، أو أوّل علاقة جنسيّة أو ما شابه.
عند الإغريق، تجري الأمور على هذا النّحو: راشد حرّ -بلغ الخامسة والعشرين من عمره- وهذا يستثني العبيد والنّساء- يقوم بمواقعة ابن جاره البالغ سنّ السّادسة عشر أمام أنظار الجميع. إنّها ليست لحظة حزينة، بل بالعكس تعقبها حفلة محلّاة بشرائط من الزّينة، ولها أيضاً لباس مخصوص، إلخ.
إذا لم يكن الفتى موضوع شهوة من طرف آخر فستلحقه الشتّيمة العلنيّة. وتجد أب الفتى هو من يحرّض بنفسه على هذه المواقعة قائلاً:
«هاي، أسرع بإغواء ابني أليس ابني جميلاً؟»
إثرها، يذهب الشّاب صحبة "مختطفه" داخل الأدغال ويبدأ بعدها، مثلما يحدث تقريباً عند بعض القبائل طقس الولوج: الأكبر سنّاً هو من يطأ الأصغر.
غير أنّ في الأخير، يعود الزّوجان إلى المدينة لوحدهما. ليصبح المغزى من هذه الرّحلة هو اجتثاث الابن عَلناً من دائرة العائلة. يساعد هذا الطّقس الإدماجي خلال عمليّة البناء الثّقافي عند الإغريق في تحسّس الشّاب الجانب الأنثوي والرّيفيّ قبل أن يقوم بالتّخلي عنهما إلى الأبد، بما أنّه سيصبح بعد هذه التّجربة ذَكَراً داخل مجتمع مدنيّ.
لكنّ هذه العمليّة البنائيّة لا تحتوي على أيّ شهوة، هي  فقط فرض وهي مسألة اجتماعية بحتة.


س. وماذا عن روما؟
ج. اللّواط إغريقيّ. ولطالما رفضوا الرّومان استقدام هذا النّموذج إلى روما. قَبِلَ الرّوم ذلك، وسمّوه الحبّ على الطّريقة الإغريقية، لكن بالنسبة لهم هو أمر غريب دخيل.
في روما، الأب هو من يدرّب ابنه على سنّ البلوغ، إلّا أنّ ارتكاب المحارم محجّر كليًّا. فلا مكان للجنس في هذه العلاقة.

س. كيف يرى الرّومان اللّذة؟
ج. بَدْءاً، علينا أن نوضّح أنّ الفرد الحرّ (امرأة أو رجلاً) لا يمكنه أن يقيم علاقة شبقيّة، فهو جسد غير قابل للولوج، إنّه جسد مغلق. جسد ممنوع من اللّذّة.
فسيفسائية ماخور ببومباي
هذا لا يعني أنّ الرّومان لا يعرفون اللّذّة، إلّا أنّها تختلف كليّاً عمّا نسمّيه نحن الجنسانيّة. لن يجد الرّجل أيضاً  اللّذّة مطلقاً عبر الأير أو عن طّريق الشّرج، لأنّ الأمر يتعلّق باتّصال مع  باطن الجسد. في حين أنّ باطن الجسد هي مكوّنات لزجة ومخّاطيّة. ليست إلّا "نزوات". نحن أكثر اتّصالاً بما يشكّل الجمال اللّائق للجسد: ألا وهو الجلد.
لأنّ اللّذّة عند الرّومان تكمن في البوس على الجلد. بل أفضل من ذلك، فالبوسة تتّم أيضاً حول الفم. إِذْ المنشود تبادل الأنفاس. لا يعتبر الرّومان أنّ ذروة اللّذّة تكمن في القذف.
في روما، وعند الرّومان تعتبر البوسة هي أوج اللّذّة. فالنّفس هو خلود الدّفء، هو النّعومة، العفّة والرّائحة الطيّبة. إنّها ليست متعة منويّة، بل هي متعة هوائيّة.




س. مع من يتمّ البوس إِذاً؟
ج. يتمّ دوما مع الرّجال والعبيد، بما أنّ الرّجال الأحرار ممنوعين من الاشتهاء. ويجري كلّ هذا أثناء مآدب ما بعد الظّهر. هناك يتمّ تليين جسد صلب من جديّة الصبّاح.
وخلال المأدبة، لا نأكل لأنّنا جوعى. نحن نأكل لنكون مَعاً. يصل العبد، يوزّع الطّعام، وتأتي الشّهوة إثر ذلك ولكن، من دون أيّ ولوج. تبدأ المتعة أوّلاً من خلال تبادل النظّرات. ثمّ يختار المواطن العبد وحينها تبدأ القبل.

س. لكن ماذا يجري إِذاً فوق فراش الزّوجيّة؟
ج. يُعَنْوِنُ أطّباء النّساء هذا التّواصل بـ: «الانسكاب المنوي».
إنّها تمطر، إجمالاً. تستلقي المرأة وتنتظر أن يُفْعَلْ بها. يتمدّد الرّجل فوقها، يسكب منيّه ويصنع أطفالاً.
إلّا أنّ هذا اللّقاء ليس ممارسة للّذة، بل هي ممارسة مدنية: الأمر يتعلّق بإنتاج مواطنين. ونحن نعلم جيّداً أنّ الأمر مضجر حتّى: حيث أنّنا نطفئ الأنوار، نغلق الستّائر، رغم أنّ العمليّة لا تستغرق وقتًا طويلاً وكلّ العالم يعتبرها مشقّة، تسبّب أوجاعًا بالظّهر وتفرز الدمّل.

س. ما الّذي ليس له قيمة في روما؟
ج. "المضاجعة". الرّجل الحرّ هو فقط مواطن يمارس السيّاسة وعسكريّ يقوم بالحرب. في مجتمعاتنا هذه، رجل كثير المضاجعة يعتبر زير نساء.
من إحدى مميّزات الحياة في روما، عندما يريد أحد أن يُوقِع بخصمه السيّاسي ّيقول عنه:«إنّه يضاجع». نقول على سبيل المثال عن سيزار حين نريد مهاجمته فوق ميدان روما «إنّه زوج كلّ النّساء» وبالتّالي فهو «امرأة كلّ الأزواج». الاستنقاص من قيمة الجسد يؤكّد أنّ المواطن ليس جديراً بأن يكون رجل سياسة ذا رفعة، أو أن يكون مواطناً عسكريّاً.

س. هل توجد شتائم؟
ج. أجل، إحدى الشتّائم الدّائمة أن تقول: «هذا الشّخص له زبّ ضخم.» أو «أنت، معروف جدًّا: تستقبل شبّاناً ذوي زبوب ضخمة» في روما، ضخامة القضيب مرعبة، استنقاص للقيمة، لأنّه جسد غير متناسق. حتّى أنّنا نلحظ على التماثيل الرّومانية أيوراً ذات حجم صغير.

فضلاً عن هذا، فالشتيمة الأخطر لا أن تقول عن أحدهم لقد وُطِىء -حتّى وإن كانت هي سبّة فعلاً- الأفظع بأن تقول: «هو يحبّ أن يمصّ.» علينا أن نعود إلى أصل إشتقاق كلمة "المصّان"
فحين ترى المربيّة الرّضيع يبكي، تعطيه الثّدي، "فيمصّه". لكنّها تفعل ذلك قصد منعه من الكلام ومن البكاء. لهذا فإذا قام أحدهم بعمليّة الرّضعة\المصّان بنفس الطّريقة، فلن يعود باستطاعته الكلام والرّومانيّ هو مواطن يتكلّم.

س. وماذا عن النّساء من كل هذا؟
ج. المرأة الحرّة لا تمتلك اللّذّة. هي تتلقّى تربية بعدم اكتسابها. على المربّية أن تلقّن البنت الصّغيرة تجاهل لذّة جسدها. المرأة الرّومانيّة قدرها أن تنجب. حتّى أنّ في روما المرادف لكلمة المرأة الحرّة هو "البطن". من أجل هذا علينا أن لا نعود لروما القديمة.
كما يصل إلى درجة -إذا ما كان الرّجل الحرّ يفرط في الاستمتاع مع زوجته– أن تذهب المرأة وتشتكيه لحماها فيأتي الأب ويوبّخ الزّوج.
وهنالك أيضاً محاكمات لرجال جُرْجِرُوا للمحاكم لأنّهم أزواج خانعون لزوجاتهم: متعلّقون جدّاً بأجساد نسائهم.
ثمّ يقول لهم النّاس: «ولكن إن كنتم ترغبون في إفراغ خُصْياتكم فاذهبوا إلى الماخور!»

كانت توضع بمدخل البيت لدرء سوء الحظ \ نفس المصدر"شرننات" أجراس


س. أليس مشينا الذّهاب للماخور؟
ج. لا! فالماخور يُسْتَخْدَمُ لتفريغ السّائل المنوي والنّزوات. ثمّة حكاية مشهورة جدّاً: ذات يوم رأى كاتون الأكبر-وهو مواطن رومانيّ شديد التقّشف- شابّاً يتردّد في الدّخول إلى ماخور والمواخير منتشرة في كامل روما.
فقال له:
«هيّا!هيّا! امضي قدماً! عليك أن تذهب فهذا هو الدّليل على أنّك لن ترتكب تصرّفات مشينة مع زوجتك.»
إلّا أنّ في اليوم التّالي رأى كاتون الشاب نفسه عند باب الماخور فقال له:
«الذّهاب إلى هناك مرّة واحدة محمود، ولكن يومين متتالين فيصبح أمراً فائضاً عن الحاجة!»
ما يعدّ مُشِيناً فعلاً هو الإفراط في زيارة الماخور. لا بدّ من الانضباط. نذهب للماخور لنلتقي بالقحاب من النّساء والرّجال. لا يعنينا جنس من يقوم بالعهر، نأتي لرؤية عبد والأهم أن لا يفرغ في زوجته لأنّ حينها سيقع اعتبارها أمة.

س. في الواقع، نحن بعيدون جدّاً عمّا شاهدناه في السّينما...
ج. فعلاً، هذا هو المقصد من تلك الأفلام مثل "الغلادياتور" أو ذاك النّوع من المشاميل. لتطلعنا أكثر على ثقافتنا المعاصرة! لكن هذا أمر جيّد جدّاً.
إذا أردنا الإطّلاع على التّاريخ الرّوماني علينا بكتب التّاريخ.

هناك تعليق واحد: