السبت، 9 نوفمبر 2013

السوريالية يوماً بيوم: جورج باتاي

ترجمة حسين عجة

إهداء :
إلى أيف بريتون، yves Breton الذي أدين لصداقته بفكرة وإمكانية كتابتي لكتاب أحبه.


الفصل الأول

1- نيّتي
كنتُ للتو قد أنهيت قراءتي لصفحات "الإنسان المتمرد" المُكرسةِ للسوريالية*. أنا لا أتصوّر السوريالية على ذات الصعيدِ الذي  يتصورها البير كامي فيه. إذ أظل، أنا، مرتبطاً بالجوانب الصغيرة، المألوفة تماماً، أي تلك المتعلقةِ بالحوار الذي ساهمتُ لسوء الحظ بخلقه. لكن ينبغي القيام بضمِ، في نقطة واحدة، خشونة الحياة المُتورطةِ، التي لا تخلو من الغلاظة، بالإندفاعات التي تحررنا من إرتباطاتنا. تهمني كثيراً الجوانب الصغيرة ولا يمكنني عزلها عن لحظات الخجل المشروعة التي تمنحني إياها. لا أكتب هذا الكتاب من أجل نشره. ففي اللحظةِ الراهنة، لا أكتب إلاّ من أجلي أنا، ومن أجل بعض الأفراد القلائل الذين سيقعون، بفضل الصدفةِ، على هذه الصفحات (لا أرغب في التدخل إلاّ من حول نقطة واحدة: لا أوّد أن تكون هناك نسخةً أخرى لتلك الصفحات، ولن أدفعُ بها إلى النشر، كما لن أقبل أن يُعطى مقطعاً واحداً منها).
يمكنني، بطبيعة الحال، تغيير رأي ومن ثم تمرير النص إلى ناشر ما... لكني لن أقوم بذلك أبداً بنيةِ الإساءة لأحد أو التقليل من شأنه. أحب تلك السوابق المُورطةِ، البائسةِ والتي لا يمكن تقريباً الإعتراف بها، ذلك السماد الذي يُغذي حقيقة مخفيةً دائماً، مُخبأةِ دائماً، مُزعجة نصفياً، والتي تولد الإحساس بالخجل: أنها الوحيدة التي تروق لي. أعشق النقاء حد اللانقاء، الذي من دونهِ سيكون النقاء مُلفقاً. لا أعرف إذا ما كنتُ أفسدُ أو أنقذُ، أظن أني إمّا أضيعُ نفسي أو أذهب إلى ما هو أبعد: لهذه الرذيلة معناً أقل تخفياً عنه في الإيروسية...
تضيفُ الأصول الدادائية للسوريالية عنصراً معقداً على هذه الأخيرة. شيءٌ ما منشود وآخر دعي  يلتقيان في صبيانية فظةٍ. والترابط بينهما قوي للغاية حداً لا يمكن فيه معرفة أيُّ منْ هذين الخطلين أكثر شناعةً. فالذي لا يعرف الجانب العذبِ، الأملس والعاري للعاهرات لا يشعرُ، بهذه الطريقةِ، بما يدفع نحو أسوء الإخفاقات. سأقول في النهاية: أنه الحظ الوحيد. وإلاّ قد أنفرُ من الأفراد وإحتقرُ إخلاصهم: فهو مرتبطُ بهذه العادات القذرةِ، وبذلك الضجيج اللفظي القبيح حيث لا يبقى سوى ما هو كريه، مشوهُ ومنذرٌ بالخيانة الصامتةِ(1).
سأكتب بلا ترابط، منطلقاً من ذكرياتي، ودون أن أتردد بالحديث عني أنا، لكن تلك الأنا هي أفضل ما عرفته وغالباً ما كان سلوكي وحده هو الذي يطرح الأسئلة التي تعنيني. وبشكل خاص، أرغبُ أن أستطرد بإفراط، ذلك لأن الإفراط بالإستطراد هو الخطة الوحيدة التي تبدو لي متجاوبةً مع ما أقوله. بالرغم من ذلك، كان بإمكان سردي أن لا يكون مختلفاً عما بمقدوري عمله بـ "حياتي الأدبية"...

*كتبتُ ذلك قبل أن يكون لي علم بمجادلة كامي-بريتون، المنشورة في "فنون" Arts، أكتوبر ونوفمبر 1951.


2- ميشيل لايرس Michel Leiris
عرفتُ أولاً ميشيل لايرس(2). ألتقيتُ به في آواخر عام 1924: كان صديقاً لجاك لافو Jacques Lavaud، الذي يعمل مثلي كأمين في المكتبة الوطنية. تولدت عندنا، نحن الثلاثة، نيةً طارئةً بتأسيس حركة أدبية لم يكن لدينا عنها أبداً سوى افكاراً لا طائل من ورائها. أتذكر بأننا في مساء ما، بعد شربنا لكؤوس من الكوكتيل، ذهبنا إلى مقهى في ماخور صغير في شارعٍ محاذي لباب سانت دني porte Saint-Denis، كان واحدٌ منا قد سمعَ باسمه. كان ماخور مرحاً، عادياً ومن ثم شربنا هناك: شربت أنا بلا نظام، بإفراط وكنتُ أكثر الثلاثة سواداً. كانت أحاديثنا كما أتذكرها جيداً، والتي أشتركت بها واحدة من الفتيات الموجودات هناك (لم تكن مشاركتها خالية من الفضولِ المرحِ، ولكن المزيف أيضاً) غير مؤذيةِ، ولم يكن الشطط الذي تضمنته أحاديثنا مؤذياً. لكن، في ذلك الوقت، كان الشطط يَصدمُ أولئك المفتونين به مجانياً، إذ كانوا يظنون بأنه يقضي على العالم المعقول. لحدّ بدت لنا به تلك "الحركة" وكأنها شرعت بالتشكل: لم يبق غير أن نقوم بنشر بعض تلك الأحاديث (التي سجلتها وأنا في حالة الثمالة)...
ما عدا القليل من التصنعِ، بدا لنا كل ذلك، بطبيعة الحال، لا قيمة له. بعد فترة قصيرة، اختلط لايرس بالمجموعةِ السوريالية، ومن ثم كففنا عن التطرق لها: أعتقد بأن حجم وخشونة تلك الحركة قد صدمتاه. بقينا شهر أو شهرين دون أن يرى أحدنا الآخر. ولم يكن أيٌّ منا يميل إلى تقدّيم تفسيراً لسلوكه، لاسيما لايرس. فصديقي كان يفضل الحديث عن المشروبات والبارات.  كنا نتحدث، من حين لآخر، عن الأدب، لكن ليس أكثر من حديثنا عن البارات والشراب (يمكنني القول بأن ذلك جعلني أشعر بالخيبةِ، غير أن لايرس، الأكثر شباباً مني، كان يحرجني: كنتُ أخجل من الحديث معه عما كان يشغلني كليةً. فمن بيننا نحن الاثنين، كان لايرس هو المُطلعِ على الأسرار). في النهاية، وبعد إلحاحي عليه، حدثني بتفصيل أكبر عن السورياليين، وقد بدا لي بأن الأمر كان يمكن أن يكون عبثياً ولكنه جدي، وحتى مضجر. كنتُ مستاءً. وذلك ما جعلني بعيداً عن لايرس. كنتُ أحبه كثيراً، فيما أوحي لي بأن علاقتنا ثانوية. فأنا لم أكن أهتم إلا بما هو مٌفَكّك وغير متناسق، أو رغبتي في أن تكون لي حياة مُتألقةً... وكان الحق معي: منْ تكون حياته تافهةً لا يمكنه الحكم على أي شيء: يظن بأنه يحكم على الحياة، فيما هو لا يحكم إلا على عدم إكتفائه. إلى جانب هذا، كنتُ متألماً. أحياناً، كما كنت أفكر بأن لاريس قد نصب فخاً لنفسه، إذ غالباً ما شعرت بأن ثمة من مزايدة في الأمر(3). لم يكن بإمكاني التعلّقِ إلا بذلك العنف الخفي والقلق الذي كان يحركني، وينذرني لما كنت أظنه جلياً وجديرًا بالإهتمام. فكرتُ على الفور بأن مناخ السوريالية يشلّني ويخنقني. وقد لا أكون قادراً على التنفس في ذلك المناخ الإحتفالي. وجدت نفسي مرفوضاً، ولأني عانيت، عن طريق العدوى، من تلك الصدمة التي ضربت لايرس مباشرة، شعرتُ وكأني تحت ثقل قوة غريبة، عدوانية وكاذبة، تنبثق من عالم بلا سر، كمنصة حيث لن يُعطي لي مكاناً فيها ولن أقبله؛ منصة أظل حيالها أخرساً، تافهاً وعاجزاً.
ذلك لأن حالة لايرس، التغير الذي طرأ عليه جعلني أعرف، في البدء أدركت ذلك بغموض، لكن سرعان ما تولد لدي إحساساً واضحاً عنه: كان بمثابة إرهاب أخلاقي صادراً عن فظاظة وبراعةِ من يقود لعبةً. شخصياً، كنتُ لا شيء je n’étais rien ، سوى مكاناً لهيجان فارغ. لم أكن راغباً ولا قادراً على أي شيء. ولم يكن في داخلي ما يمنحني الحق في الكلام ولو بصوت منخفض. وجدتُ نفسي بغتةً أمام أناس يتمتعون بنبرة سلطوية، كانوا قد عثروا عليها في دواخلهم، الراغبة في العثور على مثل تلك النبرة القاطعةِ، –بدافع الإرهاق؟ بسبب الضجر، لكن دون أي فعل!- الغريبة عن كل ما عداها.
قبل أن أذهب بعيداً، أحسستُ بالبرودة التي أستولت على لايرس. شيء ما غيره: كان حينها صامتاً، مُراوغاً ومتضايقاً أكثر من أي وقت مضى. كان الكسل بعينه، النرفزة التي ينمحي كل شيء أمامها. كان حينها أنيقاً بطريقة مرهفة تماماً ودون مبالاة إلى حد ستنقلب عليه، لاحقاً، تلك الإناقةِ. كان يطلي وجهه ببودرة بيضاء كبياض الطَلقْ (معدن طري يُستخدم في صنع ذرور الوجه وسواه. م.م). كان التضايق، الذي دفعه لقرض نهايات أظفار أصابعه، قد أكسب ملامحه نتوءً خيالياً. ربما كان كلامه مثالياً، لكي يكون، في الظاهر، أكثر نزقاً مع نفسه، وحتى يكون بالدقةِ ذلك الطيش المُطارد، كالطفل الذي يُضبط بإرتكاب خطأ، يصبح بغتةً مهموماً بنظام تعليم مماحك: كان يرمقُ ذلك النظام بعين فارغة وبنظرة شاردة... طامعاً، بمواربةٍ، بما لم يكن يجرأ عليه، يتمرّد عليه أو يهرب منه.


3- أندريه بريتون André Breton
لم يُقدَم لي لايرس بريتون إلا بوقت متأخّر. لقد أسمعني بأن بريتون كان روح الحركةِ. ولم يحدثني عن "الإعتراف الإستكباري" Confession dédaigneuse إلا بإنفعال. سألته عن مبرر السلطوية القصوى التي أخبرني بأن بريتون يتمتع بها. فسرها بذلك النص الذي يعشقه هو تماماً. كنتُ قد قرأتُ "البيان الأول" Premier Manifeste ووجدته لا يُقْرأ illisible. قلت ذلك بصراحة للايرس. "هذا ممكن، قال لي، لكن "السمكة القابلة للذوبان" Poisson soluble...". كانت "السمكة القابلة للذوبان"، المنشورة في ملحق "البيان"، هي النموذج الذي قدمه بريتون عن الكتابة الإوتوماتيكية l’écriture automatique. كان خجلي، حماقتي وشكي بحكمي الخاص كبيرة جداً لحدٍ عزمتُ به على التفكير بما قاله لايرس بمثل تلك القناعة التي لا تُقهر. بأمانة أكبر، لقد أرغمت نفسي على الإعجاب بالبيان (فعدم إستقامتي مع نفسي هو الذي جعل "السمكة القابلة للذوبان" تتلائم مع ذوقي). بيد أني لم أتمكن من ذلك تماماً. فإذا كنتُ معجباً به، قليلاً جداً أو شفهياً وحسب، فذلك تحت ثقل تبكيت الضمير، أي الدقةِ والتدقيق. لقد أعلن بريتون، بتلك الحركة الساخطةِ التي تمطُ وتشدُ عباراته: "أنا لا أضع أية مشاريع أبداً"، (تقريباً إلاّ عندما يتعلّق الأمر، كما قال، بمراعاة الآخرين الذين يتظاهر بالنزول عند رغباتهم). لقد كان يصعب عليَّ تصديق ما بدا لي، من البدء، بمثابة ما هو أكثر من مشروع، أي إدعاء مؤلم؛ لكن ولأني، أنا، أضع مشاريع، لذا بدت لي تلك الشكوك بائسة!  
كنتُ أميل إلى الصمت وعشت حينها إمتحان قاسٍ، وذلك لأني كنتُ قد قررتُ، برعونةِ، عدم إسناد قضية الدفاع عن الإحتجاج إلاّ لمحامين مشكوك بهم. إن المنهج الذي إختزل بموجبه بريتون الأدب*، وكذلك الكتابة الإتوماتيكية، يضجراني، أو أنهما لا يسلياني إلاّ بشكل ثقيل. كنتُ أحب، كالآخرين لعبة التغربِ، لكني لم أكن مهتماً به إلا بشكل مُتثاقل، ذلك بسبب تسامحي المتهور وخجلي المثير للغضب. بيد أن لذلك المنهج، من وجهة نظري، جانبه الرائع، ألا وهو دفع الأدب نحو البحث عن المزيد من الإمتيازات، التي ربما تخليت عنها أنا، لكن كما يتخلى عنها أي كاتب تتنازعه عاطفة مزدوجة: "الكتابة الإوتوماتيكية" وحدها حاسمةً، جازمةً بحكمها على إنسان ذي عاطفة مزدوجة.   
لقد بدا لي بأنه إذا كان بريتون يطلبُ من أولئك الذين يصغون له الإلتزام بالصمت، لم يكن هو نفسه يتوقف عن الكلام. وهكذا كان عليَّ ليس الإلتزام بالصمت وحسب، وإنما أيضاً في أن لا أسمع أي شيء آخر غير صوت بريتون الموزون، الدعي والمنفوخ بحذاقةٍ. ومن ثم ظهر لي تقليدياً، محروماً من تلك الرهافة التي تشك وتأن من الألم، ومن حالات الفزعِ المُرعبة حيث لم يبق هناك سوى ما هو مفكك. ما أقلقني أكثر من غيره هو ليس أنعدام الدقةِ، ولكن غياب صرامة المرء مع ذاته، المُخاتلةِ تماماً، المبتهجةِ حد الغفوة وقوفاً، والتي لا تحاول فرض هيمنتها، لأنها منطلقة نحو ما هو أبعد. في ظروف كهذه، تخليتُ عن صمتي ودخلت في تلك اللعبة المُفزعةِ، التي تقززت فيها من إدعائي أنا لرفضي لإدعاء الآخر. أصبحتُ أنا، بدوري، ذو صوت منفوخ، نفخته أكثر وبرعونةٍ أكبر لأني وبختُ إنتفاخا كنتُ قد تخطيته. فلكي أتحمل مزيجاً من الصمت والرعونةِ الصارخة، اللذان نسبتهما لنفسي، أي كمية من الطاقة الخبيثةِ أكون قد بذلت ؟ تهتُ ضمن مآزق متلاحقةً، خرجتُ منها ببلاهةٍ لكي أذهب أبعد بإفزاعي لنفسي أو قمعِ فوضى صوتي.

*كان ذلك هو المقصود في الأصل. هل كان بسبب سوء تفاهم ما؟ بيد أن سوء التفاهم قد تولدَ.


4-لويس أراغون Louis Aragon
كان لايرس قد تأخر كثيراً بتعريفي على بريتون. لكنه جعلني ألتقي بأراغون الذي كان يتمتع بشهرة لا تضارع. فالسوريالية الهائجةِ والبراقةِ أكتسبت حركيتها وإنفجار وقاحتها من أراغون. لأن بريتون لم يكن يتمتع بالجاذبيةِ. في مساء ما، في منتصف الليل، كان لايرس قد ألتقى بأراغون ومن ثم عقد معه صداقةً. في "الزليس" Le Zellis. اسم المرقص الليلي الأكثر سحراً ربما: كان دخول المرء إليه سهلاً، وهناك بمقدوره التحدث مع الآخرين ويشرب وهو واقف (بعد ذلك، تغيرَ طابع المكان وأصبح يُطلق عليه اسم "العراة"، Nudistes، ثم الفردوس Paradis، أي مشهد لنساء عاريات). لا أدري إذا ما كان لايرس قد تردد بإصطحابي إلى ذلك المكان. أجهلُ ما الذي كنتُ أبدو عليه، لكن مظهري كان يوحي بأني برجوازي تماماً، بالرغم من بعض التهور الفكري: كنتُ أحملُ مظلةً بقبضة خيزران*... وفي الأخير، ولأننا تجولنا منذ التاسعة مساءً، ذهبنا إلى هناك في منتصف الليل. كان أراغون في إنتظار لايرس، وفي الحال أخبره بمسعى سلبي قام به في الـ Chambre. كان ذلك زمن الثوري الجدي والقرارات الثقيلةِ. مرَّ أراغون هناك وإستخلص فشله التالي: "جئنا بوقت متأخر جداً لكي نلعب دور اللاساليين Lassalle". لقد أدهشتني تلك العبارة وقستُ عبثيتها.
منذ ذلك الوقت، كنتُ ألتقي بأراغون، بالصدفةِ. أحببتُ روايته "فلاح باريس" Le Paysan de Paris، وذلك ما يُبرهن لي اليوم على ميلي –المستمر- الذي كنتُ أشعر به نحو مسلك أعتبره غالباً سامياً souveraine، ومتألقاً بشكل خاصً... لقد خيبني أراغون منذ اليوم الأول. لم يكن لا مجنوناً، ولا ذكياً. غالب ما كنتُ أخشى أن يُحكم عليه بطريقة كهذه، لأن موقفه مني في المرة الأولى هو موقف الكاتب المعبودِ إزاء شخص لا قيمة له مثلي**. لكنه كان يسليني. ظننتُ بأني أمسكتُ على إنحرافات عقله. كان فيه الكثير من السذاجة الصبيانية والغبطةِ الإغوائية التي كان يشعر بحاجة لمناقضتها. كان يأمل بصدق كبير في أن يكون جدياً ويتظاهر بسعةٍ لا يتمتع بها. أعتقد بأنه يلعب دور الرجل العظيم بذات الطريقة التي كنتُ أنا، في عمر العاشرة، أعدو بها فكرياً أمام "السيوكس" des Sioux. كانت تعاستنا المشتركةِ تتمثل بعيشنا في عالمٍ أصبح فارغاً في نظرنا، وإن لا نكون قادرين على إشباع سوى جانباً واحداً فقط مما كنا نتمنى تحققه، إن كان ذلك بالنسبة لنا أو لعدد صغير من أصدقائنا. كان الثوريون الروس يسألون أنفسهم إذا ما كانوا ثواراَ حقيقيين: لقد كانوا كذلك. أمّا السورياليون فكانوا يعرفون بأنه ليس بإمكانهم أن يكونوا رامبو حقيقي، كما كانوا متأكدين بأنهم بعيدين عن الثورة كبعدهم عن رامبو. وبالرغم من ذلك، كان بمقدور أراغون أن يكون رجلاً كيساً، فالجميع يعبده ويبحث عنه، غير أن سوء حظه شاء في أن يكون عارفاً بكل ذلك وبالتالي إحتقار ما كان لديه، ورفض العنب الذي كانت عناقيده تتدلى أمامه. كان يتمتع بفتنة منْ له حظ متواضع –ربما سهولة النجاح... التسليةِ – البسيطةِ تماماً، بيد أن الغرور القانعِ لا يخدعه، ومع ذلك لم يكن قادراً على نسيان بأنه يتمتع بقلم متألق، خاضع دائماً لإغواء الإدهاش، الإغراء ومُخادعة ما يُنتظر منه. صحيح أنه لا يلعب طيلة الوقت، ومن ثم يكشف عن الفرد البريء innocent الذي كان عليه حقاً. أتذكره، عند الفجر، في شارع مادليين، وهو يمسك على فراشة ليلية غاية بالجمال من جناحيها.
في مساء ما كنتُ أكتب، من خلف طاولة مقهى Deux-Magot، دخلَ وأحتل المائدة المجاورة وشرع بنقاش طويل وجدي معي. حدثني عن ماركس وهيغل، بعد ذلك أخذ بالحديث والبرهنة على النظرية السوريالية. تركته يتكلم لوقت طويل، مكتفياً بإظهار جهلي بذلك، أو كنتُ أطرح عليه، من حين إلى آخر، سؤالاً، عندما يتعلّق الأمر بحاجتي في أن يفسّر لي نقطة بعينها. ومع ذلك، قررت في النهاية بالتعبير عن نفسي: "قلتُ له، مرة أخرى، ليست لدي أية معرفة بكل هذه الأشياء التي تحدثت أنت ببراعة عنها، لكن أليس لديك إحساساً بأنك مشعوذ". قلت ذلك مبتسماً وأبتسم هو أيضاً.   

*كتبتُ بضعة كلمات عن تلك المضلة في كتاب "التجربة الداخلية" l’Expérience intérieur (O.G.t.V,p.46-47 ).
**ليس في ذلك ما يُزعج. لم يعرني أهتماماً آخر يختلف عن أهتمامه بأي عابر سبيل. لا شك أنه كان رجلاً فاتناً، كما أنه يتمتع بلطف لا تخطأه العين، يُضاف إلى ذلك الخدمة الكبيرة التي كان يقدمها لأصدقائه. كانوا يحبونه بشكل كبير، أكثر من حبهم لبريتون.


5-"النقديات" Les « Fatrasies »
أثناء ذلك تعرفت على بريتون. كان يجلس، حينئذ، على شرفة مُزججةٍ في مقهى صغير في ساحة "بلانش" la place Blanche، أتخدت لها اسم "سيرانو" Cyrano.
(من المؤكد أن ذلك المقهى ما زال قائماً، لكن ديكوره قد تغير). اصطحبني لايرس، الذي أصبح سورياليا معترفا به، إلى هناك: كان عليَّ تسليم ترجمة "نقديات"، التي ظهرت في العدد الثاني من "الثورة السوريالية" لبريتون. النقديات هي أشعار ترجع إلى القرن الثالث عشر، وكان مبدأها الأساس يرتكزُ على نقطة أن تكون خالية من أيّ معنى. كان بول إيلوار قد إستنسخ بصورة كاملة ما ترجمته أنا في عام 1925، والذي نُشر حينها في "إنطولوجيته الحيّةِ الأولى لشعر الماضي"*. أتذكر بأن بريتون قال لي عن تلك القصائد الصغيرة : "إنها الأجمل". أقتبسُ هنا، بإستنادي على حكمه، بضعة أبيات لقاضي شهير في القرن الثالث عشر**:
كانت سمكة الرنكة المُدخنةِ والعظيمةِ
قد حاصرت "جيسورس" Gisors
من جانب وآخر
فيما وصلَ رجلان ميتان بجهد***
حاملان باباً
بدون حدبةً عتيقة
صارخاً: "أ! أخرج"
قَبَضتْ صرخة طير السماني الميت
عليهما بمشقةٍ****
تحت قبعة من اللباد.
كان بريتون مُحاطاً بأراغون، إيلوار وغالا إيلوار (التي أصبحت، بعدما كانت زوجة إليوار، زوجة دالي). في ذلك الوقت، كان مظهر السورياليين مُدهشاً: لم يكن يعوزهم التأثير؛ ويقينهم كامل بأن صمت العالم موضوعاً على أكتافهم. كانوا يتمتعون، دون إستعدادهم لذلك، أي ضمن لا مبالاتهم، بشيء ثقيل، مهموم ومتسيد يجعل المرء يشعر بالضيق. بيد أن الضيق الأثقل كان مصدره بريتون، الذي بدا إليَّ بأن أصدقائه، حينذاك، كانوا يعتبرون طريقته تلك مزيفةً: تلتقطُ الأشياء عن مسافة، تَشتبكُ معها حد شلها، ثم تلوذُ بالصمتِ وتَجمد. لقد أحببت كثيراً ذلك المسلك الخالي من المجاملةِ، والذي كان يمثل، في نظري، إشارة signe. كان معظم السورياليين الأواخر يظهرون بالأحرى جانباً من إشارة مناقضةِ. لا أستطيع، حتى اليوم، الإرتباط إلاّ بصعوبة مع كائنات لم تتمتع يوماً بتلك اللامبالاة المتمهلةِ، وذلك المظهر المُتصدعْ، وتلك اليقظة الكاملة حداً تبدو فيه وكأنها غفوة. بيد أن الصعوبة تبدأ، بالدقة، هنا...
كان لمروري بمقهى "سيرانو" معناً مزدوجاً. كنتُ خجولاً وبحاجة ماسة للإنمحاق لكي أتمكن من مواجهةِ تلك الكائنات البعيدةِ، التي أوحت لي بتمتعها بحياة عظيمة vie majestueuse، ولكنها بالأحرى نزوةً caprice: كنتُ أعرف بأن القوة قد تخونني في أن أكون –أمامهم- ما كنتُ عليه. لقد هددوني، بالقدر الذي كنتُ أحبهم فيه (أو أعبدهم)، بالحط مني حتى الإعياء impuissance، أو خنقي بدقيق العبارة. لم يحدثني بريتون إلا قليلاً ولم يكن بمقدوري، في الحقيقةِ، تخيل نقاشاً ممكناً معه. لوحَ لي برفع "قبعته" كإشارة إعجاب منه لترجمتي "للنقديات". "جميلة جداً!"، قال لي بود. لقد صدمني: كنتُ أتوقع صرامة أكبر ولم يكن بمقدوري تخيل شيئاً مُخيباً لتثميني يأتي من مستوى آخر غير ذلك الذي كان بريتون يقف عليه، أي بالدقة ذلك الذي يُبعد سوقية المجاملات.
كانت تلك واحدة من أكثر الذكريات الكوميدية، ذلك لأني كنت دائماً أتمتعُ بعقل زّلقٍ glissant، لزجٍ gluant وتلقائي primesautier، غير منطقي، قلق ومزعج angoissé et sans-gêne: كنتُ مُتعباً تماماً من حياتي السطحيةِ، المحرومةِ من الظفر والوسائل، وكنتُ طامحاً بحياة أكثر صدقاً، كتلك التي يتمتع بها الكتاب المعروفين؛ وبشكل خاص كنتُ تعباً من ذلك الطموحِ ونابذاً لفكرة إقتناص أي فرصة عابرة. قال لي بريتون بأنه يرغب في لقائي ثانية ودعاني للإتصال به هاتفياً. لم أتخذ قراري بالقيام بذلك إلا بوقت متأخر تماماً: رّدَّ عليَّ صوت نسائي وطلب مني إعادة الإتصال بعد بضعة أيام، ومن دون أن يذكر أي تبرير لذلك التأجيل. قبل أن أغلق سماعة الهاتف، دَمدمتُ مع نفسي، كعزاء، إذا كنتُ قد هتفت، فذلك لأن بريتون طلب مني القيام به. حدثتُ لايرس عما جرى فأشار عليَّ بالإكتفاء بذلك. لم أطلب منه تفسيراً ولم يقل لي إلا بعد وقت متأخر بأن حكم بريتون عليَّ كان غير مؤاتٍ تماماً. فأنا لم أكن في نظره إلا ممسوساً، على الأقل كانت تلك هي المفردة التي أستخدمها لايرس.

*منشورات "بيار سيغرس" Pierre Seghers، 1951، t.p.41-44. كانت هذه الترجمة منذ البدء تخلو من اسم المترجم.
**فيليب دو بومنوار Philippe de Beaumanoir (1296-1247)، والمعروف بشكل خاص بإعتباره مؤلف (Coutumes de Beauwaisis)، والتي قامت منشورات "جمعية النصوص الفرنسية القديمة" Société de anciens textes français، بمجلدين حصلت عليهما بالصدفة كجائزة من L’Ecole de Chartes: هنا عثرتُ على الصفحات القليلة من "نقديات" التي تضمنها الديوان، وكذلك الملاحظة التي تحيل على تلك الأشعار من ذات النوعية والتي نشرها "جبنال" Jubinal. كان بريتون يستخدم، بطبيعة الحال، ذات الصياغة(4).
***في عام 1925، ترجمتُ: "بجهود كبيرة" avec de grands efforts. أن هذه الترجمة السريعة هي التي يستخدمها "إيلوار" Eluard.


6-W.-C
بوقت متأخر (1947) كتب لي بريتون: "واحد من أولئك الأفراد الذين إبتلتني الحياة بلقائهم". أنقل حرفياً هذه الجملة التي تكمن أهميتها الوحيدة، عند النقطة التي بلغها سردي، في أعطاء مكاناً للحوادث الصغيرة التي أذكرها في مجرى الزمان –حيث لا يدوم أي شيء-. في 1925، لم يشغلني أبداً موقف بريتون العدواني. كنتُ في الغالب واثقاً من نفسي ولم يكن إرتباكي ناتجاً عن شكوكي بها، بل عن فراطة تلك الثقة. بيد أن ذلك لا يعني بأني لم أعتبر موقف بريتون العدواني مؤلماً، ولكن لأن صداقته، كما حَكمتُ عليها من خلال تأثيره على لايرس، لم تكن أقل أقلاقاً لي. لم أكن أرغب إلاّ في إبعاد أولئك الذين كنت أحبهم عن ذلك التأثير، أو الذين كانوا يهموني. وعلى أيّ حال، كنتُ أجد من الصعوبة العيش في عالمٍ يسود فيه القلق الذي يفرضه بريتون حتى على العقول الأقل خضوعاً، ويجعلها غير حساسة إزاء ما كان بريتون يعجز عن تحريكه.
في النهاية، حظيت على تقدير لايرس. إذ كان يحب الخروج معي. وكنا مُتفاهمين بصورة رائعة، أي بالرغم من ذلك التوتر الذي يدفعه نحو العزلةِ والبقاء داخل وحدة تعيسة. إلتقيت أثناء تجوالي على البارات والمقاهي، بالإضافة إلى أراغون، كل من "رولان توال" Roland Tual، "دينوس بوافرد" Desnos Boiffard، تزارا Tzara، "مالكين" Malkine وغيرهم. ارتبطت على الفور بصداقة مع "ماسون" Masson، الذي كان أقدم صديق ومعلم للايرس. كذلك رأيتُ مرة أو مرتين "جوهاندو" Jouhandeau، البعيد تماماً عن تأثير السورياليين. بعد ذلك بقليل سيظهر ثلاثي  آخر ومغري: ثلاثة أصدقاء، "مارسيل دهاميل" Marcel Duhamel (المدير الحالي لمطبوعات "السلسلة السوداء")، الرسام "تونغي" Tanguy و"جاك بريفيير" Jacques Prévert وقد شغلوا سويةً بيتاً صغيراً متألقاً في شارع شاتو rue du Château. كما رأيت وأحببتُ بعمق الدكتور "فراينكل" Fraenkel، الذي لعبَ، في تلك الأوقات الجميلة، دوراً في الحركةِ الدادئية mouvement dada (والذي نشرَ أيضاً، في العدد 3 من "الثورة السوريالية"، مادةً بعنوان "رسالة إلى رؤساء الأطباء في مستشفيات المجانين"). إذا كنتُ قد تعاطفت بقوة مع "فراينكل"، فذلك لأنه كان مثلي حينها، أو ربما أكثر، عصفوراً ليلياً صامتاً للغاية: نوع من السوداوية المعتمةِ خارجياً، والمضحكة داخلياً، تلك هي الصورة الحية (؟) التي كنا مشدودين لها(5).
كنتُ قد كتبتُ كتاباً صغيراً يحمل عنوان W.-C ووقعته باسم "تروبمان" Tropmann. كانت بعض الرسوم تزين ذلك الكتاب وواحد منها يمثل مقصلة، بدلاً من أن تكون مزودة بمنظار، كانت هناك عين، والتي هي أيضاً الشمس وقت الغروب. ثمة من درب، في مشهد طبيعي، يؤدي إلى وعد الموت ذاك. كَتبتُ تحت ذلك العنوان: "العودة الإبدية" L’Eternel retour، والتفسير التالي: " يا لكآبةِ دم الجسم في عمق الصوت" Dieu que le !sang du corps est triste au fond du son. كان ذلك بكامله صرخة ذعر، ذعر مني أنا. كان لتلك الصرخة شيئاً من البهجةِ، وربما بهجة مجنونة حتى، مغمومةً أكثر منها مجنونةً(6). أفهم ذعر بريتون مني. ألم أكن أرغب به؟ ألم أكن ممسوساً حقاً؟ فما أخبره به لايرس عن كتابي، قبل أن يلتقي بي، لا بدّ وأنه قد بدا كئيباً له. بالإضافة إلى ذلك، يمكنني أن أتخيل اليوم شعوره بالضيق وهو يرى رجلا مُزعجا، غير قادر على التنفس بحرية أمامه، وتنقصه البراءة والحزم.
ومهما يكن، من العبث أن نسند لرجل متعدد وملتوي، كبريتون، دوافع مبسطة للغاية، وقد تعلمتُ، من خصامي اللاحق معه، بأن المرء سيخسر كثيراً إذا ما جاراه على أرضية المشاكسات السهلة.  


7-أنطونين أرتو Antonin Artaud
بعد ذلك بقليل، تعرفتُ، إلى حد ما، على أنطونين أرتو. ألتقيته مع "فراينكل" في مطعم في شارع "بيغال" la rue Pigalle: كان جميلاً، نحيلاً، غامضاً؛ وكان معه كثير من الفلوس، التي حصل عليها من المسرح، ومع ذلك، لم يكن مظهر منْ يتضور جوعاً يفارقه؛ لم يضحك، ولم يكن صبيانياً يوماً، ومع أنه لم يكن يتكلم إلا قليلاً، كان شيء ما شجياً يحيط ذلك الصمت، الثقيل نوعا ما، والقلق الواضح الذي يحتفظ به. كان هادئاً: لم تكن أناقته الصامتة متشنجةً، على العكس من هذا، كانت حزينةً، صريعةً، وكأنها مقضومةً من الداخل. كان يشبه طيراً من الكواسر الممتلئةِ بالريش المُغبرِ، الملمومةِ على نفسها لحظة الطيران، لكنها متجمدة في هذه الوضعيةِ. تصورته صامتاً. بيد أنه ينبغي عليَّ القول بأني أنا و"فراينكل" لم نكن نميل إلى الثرثرة: قد يكون ذلك عدوى، لكنه، في كل الأحوال، لا يشجعُ على الكلام.
تناقش أرتو مع "فراينكل" عن حالاته العصبيةِ. كان أرتو يتناول المخدرات، ويتألم وكان "فرانيكل" يسعى لمنحه حياةً يمكن تحملها. كان ثمة من مناجاة بينه وبين "فراينكل". ومن ثم لم يكن هناك من نقاش بينهما. وهكذا صرنا أنا وأرتو نعرف بعضنا بصورة لا بأس بها، من دون أن يكلم أحدنا الآخر اطلاقاً.
عند هبوط الليل، عشرة أعوام بعد ذلك، التقيته صدفةً، مرةً في أحد زوايا شارع "مدام" rue Madame والأخرى في شارع "فوجيغراد" Vaugirard: هزَّ يدي بقوة عندما تصافحنا. كان ذلك في الوقت الذي كنتُ أسعى فيه للإنخراط في نشاط سياسي. بغتةً قال لي:"أعرف بأنك فعلت أشياء جميلة. لتصدقني: علينا خلق فاشية مكسيكية! fascisme mexicain" ثم غادر بلا اصرار.
لقد ولدَّ لدي ذلك انطباعاً مزعجاً؛ إزعاجاً نصفياً وحسب: لقد أفزعني، ومع ذلك خلقَ لدي انطباعاً غريباً بالموافقةِ.
قبل بضعة أعوام، كنتُ قد استمعت لمؤتمر قدمه في السوربون (غير أني لم أذهب فيما بعد لكي ألتقي به). تحدث عن الفن المسرحي و، في حالة النعاس النصفي الذي كنتُ أصغي فيها إليه، رأيته ينهض فجأة: فَهَمتُ ما كان يريد قوله؛ كان مصمماً على جعلنا نشعرُ بروح "تيست" âme de Thyeste الذي كان يأكل أبنائه. أمام جمهور برجوازي (لم يكن هناك تقريباً من طلاب)، أمسكَ بكلتا يديه على بطنه وأطلق الصرخة الأكبر في لا آدميتها؛ صرخةٌ لم تطلقها من قبله حنجرة إنسان: لقد ولدَّ قلقاً كذلك الذي يمكن للمرء الإحساس به عندما يرى أحد أصدقائه يشرع فجأة بالهذيان. كان ذلك مُفزعاً (ربما أكثر فزعاً من ذلك الذي قد يحسُ به المرء عندما يكتشف بأنه لم يكن إلاّ شخصاً ملعوباً به n’être que joué).
عرفتُ، في حينها، كيف خابَ سفره إلى إيرلندا، الذي أعقب حجره internement. كان بمقدوري القول بأني لم أحبه... كان لدي إحساس بأنهم قد جلدوا، أو سحقوا ظلي. كان قلبي معصوراً، بعد ذلك كففتُ عن التفكير بالأمر.
في مطلع شهر أكتوبر عام 1943، تلقيتُ رسالة ملغزةً، مشوهةً .informe وصلتني تلك الرسالة في "فيزالي" Vézelay، في لحظة من حياتي التي كانت، في آن معاً، تعيسةً وجميلةً، وتركت عندي، حتى اليوم، ذكرى هي مزيجٌ من القلق والإفتتان(7). رأيت بأن التوقيع الذي كانت تحمله هو توقيع أنطونين أرتو، الذي لم أكن أعرفه تماماً، كما لاحظنا. جاءت تلك الرسالة من "روديز" التي قرأ فيها أرتو كتابي "التجربة الداخلية" Expérience intérieure، الذي نُشرَ في مطلع العام. كان نصف الرسالة أكثر من مجنون: كان الأمر يتعلق بعصا ومخطوطة القديس "باترك" saint Patrick (كان جنونه، بعد عودته من إيرلندا، يدور من حول القديس "باترك"). كانت تلك المخطوطة، التي يُفترض فيها تغيير وجه العالم، قد اختفت. لكن، إذا كان قد كتبَ لي، بعد قراءته "للتجربة الداخلية"، فذلك لأني قد كشفتُ له بأني عائد للأيمان، بأني راجع إلى الله. وكان يريد أن يحذرني من ذلك...
أنا نادم لفقداني تلك الرسالة. لقد سلمتها لشخص كان يستعدُ لنشر رسائل أنطونين أرتو، وسألني إذا ما كان لدي وثيقة جاءت منه. لقد أعطيته رسالتي تلك، بالرغم من علمي بحظها الضعيف بالنشرِ... كنتُ قد أبديت وجهة نظري فحسب: من الواضح بأنها رسالة من مجنون. غير أني لم أعد أتذكر بالدقةِ منه الشخص الذي طلبها مني –منذ وقت بعيد- والشخص الوحيد الذي فاتحته بذلك قال لي بأنه لم يستلمها أبداً. أنا نادم على فقدانها. كنتُ منفعلاً باستلامها(8). وأشعر الآن بالحزن لأني تركتُ مضمونها يعوم في منطقة غامضة. وليس بمقدوري تذكر ما قلته بالدقةِ عن القديس "باترك". سيدهشني أمر أني شوهتها حقاً ذاكرتي، فيما كان موضوعها يتعلّق بما هو صاعق، ما هو متحرك دائماً وشارد نوعا ما. أمّا عزمي على العودة إلى التقوى، الذي خصني به أرتو، عبر مفردات مؤثرة، حارقة حتى، فقد ظل واضحاً في ذهني.


8- إستباق غرق السفينة
لمحت أرتو جالساً، بعد خروجه من "رودز" على رصيف مقهى "دو-ماكو" Deux-Magots. لم يتعرف عليَّ ولم أكن أنا أسعى لجعله يعرف من أنا: كان في حالة من الإنهيار المفزعٍ، واحد من الرجال الأكثر شخيوخة، التي لم ير أحد أبداً ما يضارعها. لم يكن بمقدوري قراءة واحدة من كتابته التي نُشرت في حينها من دون أن يقبض عليَّ شعور مؤلم للغاية. أعتقد بأن كل الأشياء التي عملها حينذاك كان ينبغي أن تُعمل بتلك الطريقة، لكنها تتضمن أيضاً، من وجهة نظري، على ما هو شنيع، شنيع ولا يمكن تحاشيه. قبل ذلك بقليل، كان "هنري بارسوت" Henri Parisot قد أطلعني على برقية مطولة، مخزية وطنانة من الدكتور "فردير" Ferdière، يطالب فيها بعدم نشر رسائل أرتو، التي نُشرت تحت اسم "رسائل من رودز" lettres de Rodez. لم يكن لدى "بارسوت" ما يكفي من المفردات السوداء للتنديد بموقف رئيس أطباء مستشفى "رودز". كنتُ على إتفاق معه: ينبغي التحرك بطريقة أخرى، لاسيما وإن نشر ذلك الكتاب قد يعود بقليل من المال، ليعين إنسانا تعيسا على الحياة. لكن كيف يمكن للمرء أن لا يكون قلقاً، من حيث المبدأ، من فكرة نشر رسائل مجنون، قد يشفى، فيما تشهد كتابته دائماً على جنونه. كان بمقدور المرء التفكير، في حالة كهذه، بأن أرتو كان فوق مقولات العقل والجنون. لكن هل كان ثمة شيء كهذا واضحاً دائماً؟ ألا يمكن أن يكون النسيان شرطاً للشفاء الدائم؟ وعلى أي حال، بدت لي الشتائم التي انهالت عموماً على الدكتور "فردير" من أقسى الشتائم. من جانب أنطونين أرتو، يمكن لنا فهم تلك الشتائم بسهولة: كان "فردير" قد عالجة، بالصعقةِ الكهربائية، فيما كان المريض يعلن بمناسبات عديدة بأنه لا يقبل بالقرارات التي يتخذها طبيبه. لكن هل ينبغي على أصدقائه تصديقه في اللحظة التي يكون فيها مضطرباً؟ كنتُ أعرف الدكتور "فردير"، ويمكنني تخيل بأنه كان يغيض، على الرغم منه، مرضاه. أنه واحد من الأولاد الطيبين تماماً، كما هم عليه غالباً الفضويون الطرشان، الغاطسين في ملاسنةٍ مُتغطرسةٍ، شيء ما كالزقزقة، المنصبةِ في النهاية على الأعصاب. لا بدّ وأنه قام بما هو أفضل عنده، وإذا ما أسند إليه أحدهم تهمة الرعونةِ (لكن لن يكون هناك أبداً من يعرف ذلك غيره، وسيكون الشخص الوحيد القادر على قوله، ومن ثم قد لا يقوم بما كان يظنه رعونةً)، وكان ذلك سيحسن بالتأكيد، وبشكل كبير، حالة أنطونين أرتو. إن هذه الكتابات المخنوقةِ، التي تشبه الشظايا في غسق السوريالية المُنهارةِ –والتي لم تكف عن تقديم الشهادة على الطابع المُنفلتِ والمفرطِ لهذه الحركة- ما كان بمقدورها أن ترى النور يوماً من دون "فريدر"، وعلى الرغم من برقيته المخزية تلك التي تحدثتُ عنها.
إذا كان ثمة ما هو مُتفردٌ في تلك الكتابات فذلك عائد للاهتزاز وللتخطي الفظ للحدود المعروفةِ، وللغنائية التي تبتر تداعياتها الخاصة، ولا تتسامح حتى مع الشيء التي تُعبر عنه بوضوح. لقد استشهد به موريس بلانشو Maurice Blanchot (1946): "كنتُ قد شرعتُ في الأدب بكتابة كتبٍ لكي أقول بأني غير قادر على كتابة أي شيء؛ فأفكاري، حينما يكون لدي شيئاً أقوله أو كتابته، كانت هي أكثر ما يقاومني. لم يكن عندي أية أفكار والكتابين المقتضبين اللذين كتبتهما، كل واحد لا يزيد على سبعين صفحة، تدور من حول هذا الغياب العميق، المُتحصن، والمستديم لكل فكرة...". كتبَ موريس بلانشو معقباً على تلك السطور قائلاً: "حيال كلمات كهذه، لا نرى ما يمكن إضافته، ذلك لأنها تتمتع بصراحة السكين، وتتخطى ببصيرة كل ما كان بمقدور أي كاتب يوماً كتابته عن نفسه، وتُظهر أي عقل جلي ذلك الذي عانى برهان الباهر l’épreuve du Merveilleux وذلك لكي يكون حراً. بالنسبة لي، تبدو عبارة موريس بلانش الأخيرة بمثابة خاتمة دقيقة للمغامرة السوريالية برمتها، عندما يتمّ النظر إليها عند اللحظة التي نبضت فيها بطموحاتها. أعتقد بأن موريس بلانشو على حق عندما يطبق، عبر كلماته الأخيرة، مبدأ الحركة ذاته، الذي نجا من عقبة غرق السفينة الواضح كالمشهد المسرحي، والذي تعرضه أمامنا الأعوام الأخيرة لأنطونين أرتو ضمن وميض الكارثة lueur de désastre.
من ناحية أخرى، لا أظن بأن إضطراب أنطونين أرتو كان أقل دلالة من الغسق المسائي للسوريالية. على أيّ حال، كان أنطونين أرتو، على حد علمي، هو من كتب الجزء الأساسي من بيان 27 يناير 1925، الذي ربما لم يكن التعبير الأبلغ عن السوريالية في لحظة ولادتها، لكنه ما زال يحتفظ، في نظري، بمعناه، كونه النص الأول الذي وصلني (عن طريق لايرس، بعد عودته من Midi، ضمن تلك الظروف التي تحدثت عنها فيما سبق) ولأنه كان فرصةً للمصالحة التي تخيلتها والتي كانت، في الحقيقة، سوء تفاهم.
لقد أعاد موريس نادو Maurice Nadeau نشر ذلك البيان، في "وثائق السورياليين" Documents surréalistes (ص. 42)، والذي أعيد هنا نشر المقطع الثاني منه:
"السوريالية ليست وسيلة تعبير جديدة أو أكثر سهولة ولا حتى ميتافيزيقيا للشعر؛
إنها وسيلة للتحرير الكلي للعقل ولكل ما هو على غراره".
أمّا مقطعه الثامن فيقول أيضاً:
"(السوريالية) هي صرخة العقل الذي يلتفتُ نحو نفسه والعازم بقوة على سحق، حد اليأس، عوائقه". قرأت ذلك البيان وأنا جالس خلف طاولة في مقهى، ضمن فوضى ذهنية كبيرة وسبات تمكنتُ بفضلهما، ولكن بألم، من البقاء في الوجود. وما زالت ردة فعلي إلى اليوم، عند قراءتي الأولى لهذا البيان، هي ذاتها كما قرأته للمرة الأولى، وكأني قرأت فيه... "... للعقل الذي يلتفت ضد نفسه...". فحتى لو حذرني أحدهم، سوف أخطأ، لأن قوة كراهيتي للذهن esprit ما زالت على حالها، والذي هو ليس الفطنة intelligence ولا العقل raison، ولكن تلك الوحدة المُفخمةِ التي تتعارض بغيومها مع ما هو مُتشكل ومعقود بقذارة. كذلك فهمت تعبير "التحرير الذهني" وكأنه "الخلاص من الشر"! وقد لا أكون أخطأت حقاً، أو نصفياً فحسب، وذلك هو السبب الذي جعلني أتحدث، عن حق، عن أنطونين أرتو الذي إذا كان قد كتب ما سبق في عام 1925، هو نفسه الذي كتبَ في عام 1946: "... يتأملك الصدأ، وأنتّ تتأمل صدأك: وخراء في النهاية للامتناهي! Et merde à la fin avec l’infini...". لكن هل أن ذلك منفتحاً كفاية، فارغاً بما يكفي، يتكافىء مع الضجة المُضيعةِ حتماً والتي لم نعد نسمعها في النهاية.



ملاحظات:
السوريالية يوماً بيوم
إن هذا النص الذي نُشر بعد وفاة مؤلفه، "والمكتوب من أجل أيف بريتون في 1951"*، قام بنشره "ج.ب. فايّ" J.P. Fay في Le group La rupture (« change »7,4 trim. 1970,p.84-98). نحن لا نعرف من هو "أيف بريتون"، الذي أُهدي إليه "الكتاب" (والذي لم يُكتب منه سوى فصله الأول).
Nous nous référons dans ces notes au manuscrit (Boîte9, 1 :1-48), où nous distinguerons :
Ms a=première rédaction ;
Ms b= notre texte, en surcharge de Ms a.
P170

(1)Ms a :
أنتهيت للتو من قراءة الصفحات القليلة التي كرسها البير كامي، في كتابه "الإنسان المتمرد" لحركة التمرد الشعري، التي مثلت بها السوريالية الشكل الأكثر وضوحاً. تختلف وجهة نظري جزئياً عن تلك التي تبناها كامي، لكن ما لفت إنتباهي بقوة، عبر ذلك التحليل المنطقي، هي الهوة التي تفصلني عن وجهة نظر مفاجئةٍ après coup، من الخارج du dehors. وبالتحديد، حتى بعد إبتعادي عنها –أولاً على الصعيد الزمني، ومن ثم من ناحية الفكر-، غدت السوريالية، بالنسبة لي، الواقعة الحقيقية l’événement réel، الإنسانية تماماً والمرتبطة بظروف عابرة. لا أنسى أبداً المعاني العميقة، الشمولية وذات الطبيعة الحارقة، التي تتولد عن مثل هذه الحركة. لكن كل شيء سيبدو مشوهاً، إذا ما دخلنا في التفاصيل الصغيرة.
لا أكتب هذا الكتاب بغية نشره، لهذا أشعر بأني حر تماماً. ما سأقوله، إذاً، لن يكون من ورائه نية أخرى غير نية تشكيل صورة لي أنا نفسي وربما لبضعة أشخاص آخرين عما يبدو بمثابة جوهر حركة روحية في عصرنا.
من ناحية أخرى، حتى على فرضية بأني سأغير رأيي وأقوم بنشره، سوف لن تكون هناك رغبة عندي في الإيذاء أو قصدية للتقليل من شأن أحدٍ ما، ولكن بغية وضع الأشياء في مكانها بوضوح. أهتم –وحتى إهتمام إستثنائي- بالسوابق الصبيانية لما أكتسب شكلاً من الجدية. تبدو لي نبضات الطفولة الأولى مرتبطةً بالإندفاعات المتطرفة للفكر، بما فيها تلك الأكثر شناعة بتأثيرها. فممّا لا ريب فيه أن الجهل هو الذي يصنعها، لكن، بالدقة، من المشكوك فيه أن لا تظل، في أصل تلك الحركات الروحية الطموحةِ، ثمة من ضرورة للتجاهل، أو بسذاجة غض النظر (لا يلعب الصدأ، بطبيعة الحال، دوراً أقل ولا بطريقة متخفية عما يلعبه في الطفولة).
تكمن عظمة السوريالية La grandeur de surréalisme، من بين كل الحركات الروحية الممكنة الأخرى، كونها الأكثر صبيانية le plus puérile. بهذا المعنى، تُضيف أصولها الدادائية على السوريالية عنصراً محدداً، شيئاً مطلوباً ودعياً في آن معاً، يتوافق مع الطفوليةِ الغافلة عن نفسها l’enfantillage qui s’ignore. أن ذلك اللقاء من التداخل القوي حداً يمكن للمرء التعامل معه، ضمن الإستقصاء الذي أقوم به، كونه، هو نفسه، سوريالياً. بطريقة عشوائية نوعما، سأقوم بالمزج بين عناصر مختلفة في ما بينها، والتي تكمن أهيمتها كونها مأخوذة من زوايا نظر مختلفة، لكن ليس بمقدوري عدم الرد على الشعور بأن إخلاصي لروح السوريالية هو أخلاص نصفي، وبأن الموقف المنفتح، الذي هو غالباً "سياسي" قد تمت خيانته (من جانب آخر، كانت تلك الصبيانية تكمن، منذ الأصل، في هذه "الخيانات").
أكتب بلا ترابط [...].
ص 171
(2) Ms a: [ممسوح: كان لي من العمر ثمانية وعشرون عاماً] ألتقيت للمرة الأولى بالسورياليين في سن الخامسة والعشرين عاماً*، في مقهى صغير في ساحة "بلانش" في "سيرانو" cyrano. جئت لكي أتناول مشروباً فاتحاً للشهيةِ. كنتُ متأكداً بأن أراغون وبريتون كانا هناك. كذلك كان يمكن أن يكون إيلوار، وفي مطلق الأحوال زوجته غالا Gala، التي تزوجت فيما بعد سلفادور دالي [cf.p.176].
جئتُ إلى هناك بصبحة لايرس الذي أرتبطت معه، منذ بضعة أشهر، بصداقة. ألتقيت به في نهاية عام 1924 [...].
(3) Ms a: كنتُ أشعر، أمامه، بالخجل في أن أقول ما كان يهمني حقاً: كان هو، من بيننا نحن الاثنين، المطلعُ على الأسرار). بيد أن لايرس حدثني عن السوريالية، وقد بدا لي على الفور بأن ثمة شيء ما جدي قد حدث: ما بيني وبين لايرس، وبشكل عام. شعرتُ بأن ذلك قد فصلني عن لايرس، الذي كنتُ أحبه. كما كنتُ أخشى بأن يحكم عليَّ بقسوة وسطحية. هل كان لخشيتي ما يبررها؟ هذا ما هو ممكن، غير أننا لم نتحدث عن ذلك أبداً، وسوف لن نتحدث عنه أيضاً. لم أسند سوى أهمية سطحية (لكن كان عدم اكتراثي بأي شيء ورغبتي في أن تكون لي حياة متألقةً –أو أقل فراغاً- قد عوضاني) لتلك المشاريع الغبية التي جمعناها. والتي كنتُ أظن بأني أهتم بها: أعتقد، بصورة خاصة، بأني كنتُ متألماً، وبأن كل ما هو غير الحسيةِ، فيظل خارج رغباتي، التي هي من النوع الذي لا يمكن إشباعه. لكن أمام السوريالية، التي لم تكن لدي عنها سوى معرفة غامضة، فكنتً أخشى أن لا تكون سوى مزيادة ضاجة [...].   
ص176
(4) Ms a : نُشرت من قبل "جبنال" Jubinal. لهذه الإشارات معنى : هنا أقدم مصادري، وذلك ما لم أفكر بضرورة القيام به في "الثورة السوريالية" La révolution surréaliste. كذلك لم يقدم إيلوار، هو أيضاً، مصادراً. ولا "البرت-ماري شميدت" Albert-Marie Schmidt، من جانبه، الذي قدمَ النصوص ذاتها في "دفاتر البلياد" Cahiers de Pléiade،  وكأن الأمر يتعلق بنصوص تُنشر للمرة الأولى.
لنذكر بأن "النقديات" كانت قد نُشرت في O.G, tI,p. 103-106 ، مع (ملاحظات. ص 615). رسالة من لايرس في 16 يوليو/تموز 1925 يطلب فيها من باتاي أن تكون هذه الترجمة بالفرنسية الحديثة.
(5) Fraenkel : cf. O.G, t. V, vote pour Le Coupable ; p.514. :  
(6) W.-C :cf., t.III, Le Petit, p59-60 (Dirty, introduction de Bleu du ciel- O.G, tIII, p.385-391- serait le seul fragment qui subsiste de W.-C.)
(7) Nous croyons que L’Alleuiah (O.G, t V, p.393-417) date de cette époque.
(8) آسف على ذلك بقوة. لقد تأثرتُ كثيراً عند استلامه [...].


* في عام 1925، كان لباتاي ثمانية وعشرين عاماً. 

المصدر: ترجمة خاصة للمدونة، تُنشر لأول مرة. مع جزيل الشكر، للمبدع والباحث والمترجم العراقي حسين عجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق