الخميس، 17 مارس 2016

إيروس في ليل المتاهة: جورج باتاي



ترجمة نظيرة حدّاد
إلهة الحفل
تقف امرأة، عارية تماماً، إلاّ من حذاء لامع، تحت الأضواء الكهربية، حيث يبدو جسدها مطلياً بالمُطريّات ووجهها مغطّى بالمساحيق، ومن فمها تنبعث رائحة الإرهاق والتعب. ثدياها الثقيلان بارزان إلى حدّ فادح. وتبدو مؤخرتها المتناسقة شاحبة غير واقعية. عيناها لامعتا البريق، مألوفتان وسوداوان كشعرها القصير المصفّف جيداً. تبدو حزينة وصارخة كأغان قذرة في مدى مستنقع فاحم.

by Jean Pierre Ceytaire


إنها تقف على قاعدة رخامية منتصبة مع ابتسامة جامدة وقحة تليق بلوحة تنبض حياة وترفع نحو السقف كأس شامبانيا متلألئاً بقطع الثلج التي يحتويها وبالفقاعات الملوّنة.
ليست مطلقاً امرأة، بكلّ معنى الكلمة، بل جثّة لا يخيفها أن تثير الفضيحة. تنتصب في معبد غارق في ضياء وسخ الحب الذي يعمي البصر.
أنا، لا آتي إلى هذه الكنيسة الفظيعة بهدوء وقح بل على العكس مذعوراً ومتجمداً.
تحولتُ هكذا، فقط، مرعوباً في مملكة الجثث الخانقة، إلى حالة شبيهة بجيفة متعفّنة. على الأقلّ أختنق، حقاً، بشهقاتي التي كأحمرة متمرّدة لا تقبل أن تندفع في حالة الرعب؛ هذه الشهقات تبدو لي لا محدودة ولا تتفق مع ملامح وجهي الطفولي الخجول والسخيف.
كنت، إذن، مشلولاً بفظاعة ومجبراً فجأة على إيجاد توافق يعادل جنوني وإذلالي الرهيب، على رغم توقي إلى ذرف دموع غزيرة لكني لم أتمكن من البكاء. وكما يجب، أمام إلهة العرس الجهنمية؛ أمام امرأة عارية تمنحني خلال استعراضها الحي ابتسامة واعدة. بكل ما هو خسيس في رغباتي التي أعجز عن إخفائها (بما إني كنت بدوري عارياً)، وكما يجب أن أكون في مستوى الظرف، أتخيل سرّاً، في لحظة شبق ولمجرد الضحك، أنني لست تلميذاً، يفتقر الخبرة ويرتجف، لكنني حصان سباق عجوز فقد منذ بضعة أيام أحشاءه القذرة على رمال حلبة مصارعة الثيران. هكذا بإمكاني الوقوف على الرخام، الأنف في حدود حذائها اللامع، ورأسي الكبير الغبي والمضحك بنظراته الزجاجية قد يُحاط بالذباب.
لأني جئتُ حقاً، على رغم اضطرابي وظمئي الرهيب الذي جعل لساني جافاً ومالئاً فمي، أشاهد هذه اللوحة الحيّة بروح شاعر، بل أكثر من ذلك بكثير، بجسد شاعر مجنّح بأجنحة ذباب فحمي؛ فبرغم أن التفوّه بذلك محزن بشكل رهيب إلاّ أن هذا الثوب الغبي يناسب عريي الذكوري المحرج حدّ الموت.
أمامي امرأة عارية تمجدها كل تلك الأضواء التجارية عن قصد، وتبتسم لهذه الروعة التي تفتح الهاوية المميتة للفجور أمام عينَيّ المرهقتين. أصولها الشعبية تشوّه جمالها إلى حدّ يجعلني أعجز عن تخيّل صرخات الألم التي يجب أن أُطلقها للتعبير عن حالة السخط والجوع التي ترميني فيها قذارة عريها. كانت في الوقت نفسه جميلة كيوم شغب عماليّ، كقاعة واسعة مليئة بالقمامة، جميلة كفجر طالع في شارع لا يفكّر الفاسقون فيه بالمقبرة التي يعبرونها. في الوقت نفسه، هي باهتة ومتألقة كهيكل عظمي ليليّ ورائحة عطرها، التي تخنقني، تشوهها رائحة القيء.
خلال وقت وجيز، سأعضّ بكامل قوتي جسدها الملعون. وخلال حميميتنا الملائكية، ستتخلّل روحينا، بشكل مؤكد، الأساطير المشهورة للآلهة والقديسين، في الوقت ذاته، الذي يُلقَى فيه جسدانا للحيوانات كمجموعة من الكلاب النابحة. مسيرة بطولية أو مطاردة لا يعوزها هطول سيول من الماس وسيول هادرة من الجنة؛ فكأنما هي أجزاء من الشمس ترقص وتصرخ في الموت وأضحيات وأقدام دامية ممسوحة بسدادات من الشعر.


الذؤابة
كم مرّة رغبتُ أن تسكب قذارتك رويداً في فمي، وبرغم ذلك، تعلم كم أحب أن يكون لي فرج صغير طري طاهر وبعطر الخزامى. إن ذلك أكثر شهوانية على ما أعتقد. قمت في مرّة وحيدة بدغدغة ما بين ردفيَّ بطرف قضيبك اللين، حينها، أطلقتُ الريح بصوت خافت والتفتُ لأشم الرائحة وكان من المحرج مصّ ذاك الأير الطري الذي يفرز رائحة كريهة. أنت تعرف أني أعشق ذلك. لكن الرائحة. لقد احمر وجهي على قدر ما كنت أحبّ ذلك. تذكّر. كان "غاستون" حاضراً. أشرتُ له أن يلوطني. كنت أجلس على ركبتّي وجعلتُه يفهم عندما أشرتُ إلى ثًقب مؤخرتي بإصبعي فدخلني حتى سحق أحشائي. أوه. عندما أفكّر بذلك تعتريني قشعريرة. قشعريرة حادّة كلها أنين حتّى أن قلبي راح ينزف ألماً. وكما ترى، بما أني عارية أمام المرآة، فما يعجبني هو أن أمرّر ذؤابة من مسحوق الأرز على الفرج.
إنّك لا ترى للأسف هذا القرد الإفريقي الصغير وهو جالسٌ على الكرسي ورجلاه منفرجتان في الفضاء والذؤابة (مسحوق الأرز والمني) يتناسبان بعذوبة. في مثل تلك الأوقات كنت تحملني عارية تحت معطف من الفيزون إلى الشوارع. كم كان عذباً أن كنت تخرقني في الزوايا المظلمة. آه إني أستفرغ وأتجشأ..  يا إلهي كم هو جميل أن ينحني الأير عند القذف.
رائحة ضراط وشعر فرج ومسحوق أرز ومنيّ وخصية متعرّقة.
المني المنساب من كل الجهات يفيض كالشمبانيا.
كنّا أربع أو خمس فتيات متأنقات في فساتين سهرة مفتوحة حتى الحزام. كنّا نرقص ونحن نمسك بأعلى أرداف بعضنا البعض ونلعق بعضنا البعض كمجنونات.
على رصيف المترو رأيته.
– قولي، هل تحبين الأير؟
 لم أتحرك، لكنه رآني جيداً، رآني ثابتة أبتلع الهواء بشراهة وفتحتا أنفي واسعتان وخاصرتي مجوّفة. قرّرت، فعلاً، أن أكون داعرة وأتبعه في نزواته لكني همست بما لا تقوله عاهرة وببرودة جريئة:
- أنت منتصب؟


الأرملة
في غابة، تُرى امرأة من الخلف، كانت ترتدي مشداً أسود من الكتان الأبيض وجوارب سوداء ومؤخرتها عارية، نائمة على جانبها الأيسر ومربوطة إلى شجرة من معصميها اللذين قد ربطتهما بنفسها. قدماها مربوطتان أيضاً. تبكي وتنتفض أحياناً كسمكة خارج الماء.
يأتي بعض الأشخاص المقنّعين، رجالاً ونساءً، وهم يتحدثون ويتناقشون مشيرين إلى المرأة. وبعضهم يبتعد عبر مسالك في الغابة.
ثلاثة رجال وامرأة بجانب الأرملة يرفعونها بعنف ويفكّون قيودها. تصارع صارخة ولكنّها تحاول في الآن نفسه أن تمسك أيور الرجال عبر فتحات سراويلهم المفتوحة. تتمكّن أحياناً من الإمساك بها وضغطها  بعصبيّة. ينصرفون، في النهاية، من الاتجاه نفسه الذي سلكه من غادروا سابقاً.
الغابة. يأتي كاهن مرتدياً ثوبَ وقبعةَ كاهنٍ ولكنه يلبس أيضاً قناعاً. كان يُفضّل أن يرافقه صبي المذبح، مقنّعاً بدوره، وهو يحمل قنينة الماء المقدس.
يسير بعض الأشخاص، ممن ذُكروا في البداية، صامتين، في الغابة. يرون الكاهن آتياً من ممرّ جانبي فيعرون إحدى النساء شيئاً فشيئاً وبشكل علني حتى لا يبقى على جسدها إلاّ قميص وجوارب. تمسك بيدها أيور الرجال وعندما يصل الكاهن تمسك قضيبه هو أيضاً وتحركه. تجده عارياً تحت ثوب الكهانة.
يقود رجلان الأرملة ممسكَين بذراعَيها في حين تواصل هي الصراع كما لو أنها سكرى لكن في ضعف وفتور همة. يتبعون جميعاً اتجاه الآخرين.
تواصل المجموعة الأولى سيرها مع الكاهن (تتقدمهم امرأة تلبس قميصاً) حتى يصلوا إلى محجر رملي. يظلّ الرجال ذوو الأيور البارزة من فتحات سراويلهم في مدخل المحجر ينتظرون.
تصل المجموعة الثانية. وحين ترى الأرملة المحجر والكاهن تصاب بنوبة عصبية، فيقول الكاهن للجميع: «اتركوني أنا لأفعلها».
عندئذٍ يبتعد الآخرون، ويقترب هو من الأرملة التي تتراجع حتى الجدار مرعوبة.

هناك تعليق واحد:

  1. نصوص قوية، تكاد تصدم القارئ وكأنه يقرأ إعترافاته المخفيّة .

    ردحذف