الجمعة، 5 يونيو 2015

أمريكا.. شعر ألن جنسبرج

قصيدة: أمريكا
شعر وقراءة ألن جنسبرج

ترجمة محمد عيد إبراهيم



ألن جنسبرج: شاعر أمريكي طليعي، ولد في نيو جرسي 1962، وهو مؤسس حركة "Beat Generation" مع عدد من أهم الأصوات الشعرية الأمريكية. بدأت الحركة بنشر قصيدته "عواء" 1956، واعتُبرت نشيدَها الشعريّ. وقد أصبح جنسبرج المرشدَ الروحيّ للثقافات التحررية المضادة فترة الستينيات كلها. قال عنه النقاد "اقتنص جنسبرج المتع الحسيّة التي كان يتميز بها شعر "والت ويتمان"، لكن بروح القرن العشرين". وظلّ مناهضاً للنزعات الأمريكية المدمّرة حتى وفاته في 1997.


أمريكا وَهَبتكِ كلّ شيءٍ والآنَ لا شيءَ عندي.
أمريكا 2 دولار و27 سنتاً 17 يناير 1956.
أمريكا لا أتحَمّلُ عقلي.
أمريكا متى نُنهي حروبَ البشر؟
ضاجِعي نفسَكِ بقنبلتِكِ الذريّةِ
لا أحسّ الطمأنينةَ لا تُزعجيني.
لن أُسطّرَ قصيدتي حتى ينالَ عقلي عافيتَه.
متى تُصبحينَ ملائكية؟
متى تنزعينَ عنكِ ثيابَكِ؟
متى تنظرين لنفسكِ من منظورِ قبرٍ؟
متى تستحقّين مليونَ مسيحٍ؟
أمريكا لماذا تمتلئ مكتباتُكِ بالدموع؟
أمريكا متى تُرسلين بيضَكِ للهند؟
لقد سئمتُ طلباتكِ المجنونةَ.
متى تُعيدين اختراعَ القلبِ؟
متى تُصنّعين اليابسةَ؟
متى يقرأ الكاوبوي شبنجلر(1)؟
متى تُطلق سُدودكِ فيضانَ الدموعِ الشرقية؟

متى يسكرُ فنّيوكِ فيُبطِلون الفلوس؟
متى تتأسّس أديانُ بصيرتكِ بمجلِسكِ التشريعيّ؟
متى أذهبُ إلى السوبر ماركت فأشتري ما أحتاجُ بنظراتي الموجَّهةِ؟
أمريكا أنتِ وأنا بعدَ كلّ شيءٍ كاملان لا العالم القادم.
مَيكَنتُكِ كثيرٌ عليّ.
لا أريدُ أن أعملَ لكَسبِ قوتي.
رَغّبتِني في أن أكونَ قدّيساً.
أما من طريقةٍ أخرى لتسويةِ المسألة.
لا أريدُ أن أموتَ في عِزّ شبابي
أريدُ أن أموتَ عجوزاً وتعيساً.
لا أريدُ أن أموتَ بعدَ عُمرٍ مديدٍ ما دامَ ليسَ خسيساً.
بوروز(2) في طَنجةَ لا أظنهُ سيعودُ فهو منحوسٌ.  
أأنتِ منحوسةٌ أم هو نمطٌ من اللّعبِ بمُزحَةٍ عمليّة؟
أسعى للوصولِ إلى الفَحوى.
رافضاً التخلّي عن هواجسي.
أمريكا كُفّي عن التواقُحِ أعرفُ ما أنا فاعلُه.
أمريكا زَهَرُ البرقوقِ يتساقطُ.  
أمريكا لا أقرأُ صُحفاً منذ أشهرٍ، ثمةَ مَن
يُحاكَم يومياً بجريمةِ قتلٍ.
أمريكا أحسّ عاطفةً تجاهَ عمّالِ العالمِ.
أمريكا كنتُ شيوعياً وأنا صغيرٌ لستُ آسفاً.
أدخّن ماريجوانا كلّ فرصةٍ تسنحُ لي ـ فقط بدولارين وسبعة وعشرين سنتاً.
لا أريدُ أن أعملَ، الأجملُ أن أبحثَ عن عملٍ.
لا أستطيعُ التعلُّمَ بعدُ. لن أُعلِّمَ لكَسبِ القوتِ.
أجلسُ في منزلي أياماً للنهايةِ من دونِ أن أخرجَ.
أذهبُ إلى الحيّ الصينيّ فأسكرُ غير أني لا أضاجِعُ.  
عقلي يقرّرُ قد تحدُث متاعبُ.  
قد تراني أقرأُ ماركسَ.
العلَم الأمريكيّ عبثٌ كليٌّ كما كانَ بالثلاثينياتِ.  
لن أتلو صلاةً لإلهٍ.  
فلديّ أطيافٌ صوفيةٌ وذبذباتٌ كونية.
أمريكا لن أُبلغكِ ما فعلتِ بالعمّ ماكس بعد عودتهِ من روسيا.
إني أخاطبكِ.
هل ستُديرين حياتَكِ العاطفيةَ باستشارةِ مجلةِ تايم؟
ملكَت عليّ نفسي مجلةُ تايم.
أقرأُها كلّ أسبوع.
يُحدِقُ بي غلافُها كلّما مررتُ بزاويةِ شارع نورث ويست وشارعِ مونتجومري
أقرأها بالطابق السفليّ من مكتبةِ بيركلي العامة.
تحكي لي مجلةُ تايم دائماً عن المسؤولية. رجالُ الأعمال جادون.
منتجو الأفلامِ جادون. الجميعُ جادّون إلاي.   
خطر لي أني أنا أمريكا.
أكلّم نفسي ثانيةً.
تنهضُ آسيا أمامي.
ليست عندي فرصةُ رجلٍ صينيّ.
الأفضلُ أن أتأمّلَ مواردي القوميةَ.
تتألّفُ مواردي القومية من وَصْلَتَي ماريجوانا، ملايين الأعضاء الجنسية،
قنبلةٍ ذريّة، ألفي وخمسمائة مصحّةٍ عقلية.  
لن أحكي عن سُجوني أو ملايين المُعدَمين القاطنين مِزهرياتي.
لديّ القليلُ من مواخيرِ الدعارةِ وهو كلّ ما بقي.  
أبطلتُ مواخيرَ الدعارةِ في فرنسا وطنجةُ هي هدفي القادم.
مَطمَحي أن أكونَ رئيساً برغمِ أني واقعياً كاثوليكيّ.  
أمريكا كيفَ أكتبُ ابتهالاً قدسِياً عن طَبعكِ السخيفِ؟
سأواصلُ مثل هنري فورد(3) مقاطعي الشعريّةَ بصورةٍ شخصيةٍ كسياراتهِ مع أنهما من جِنسَين مختلفَين.
أمريكا سأبيعكِ مقاطعي الشعريةَ بدولارين ونصفٍ للمقطعِ وبخصمِ نصفِ دولارٍ للمقطعِ القديمِ
كتجارةٍ معكِ على أن تدفعي إلى باقي حياتكِ.  
أمريكا فُكّي سَراحَ توم موني(4)  
أمريكا انقذي المَوالي الإسبانَ  
أمريكا لا يجبُ أن يموتَ ساكو وفنزيتّي(5)   
أمريكا إني من المنتَسبين لأسكتلندا.
أمريكا وأنا بالسابعةِ أمي أخذتني لاجتماعِ خَلِيّةٍ شيوعيةٍ
وباعونا جَوزاً حِفنةٌ لكلّ تذكرةٍ والتذكرةُ بنيكلٍ والكلامُ مجاناً كلّ امرئٍ ملائكيٌّ متعاطفٌ مع العمالِ الأمرُ كلّه كانَ صادقاً فلا تملكُ فكرةً عن كنهِ الاحتفالِ البهيجِ  
في 1835 كان سكوت نيرنج(6) عجوزاً مهيباً والأمّ بلور(7) مجيدةً حقاً أبكتني حين رأيتُ وادي برودر. لكلّ امرئ أن يكونَ جاسوساً.
أمريكا لا تريدين فعلياً الذهابَ للحربِ.
أمريكا الروسُ أشرارٌ.
الروسُ الروسُ والصينيون. ثم الروس
روسيا قوّةٌ مجنونةٌ. روسيا تريدُ أكلَنا أحياءً. تريدُ إخراجَ
سياراتِنا من مكامِنها
تريدُ أن تستولي على مصانِعنا.
تريدُ إفسادَ بناتِ كلّياتِنا.
تريدُ وَضعَنا جميعاً كعَبيدٍ في معسكراتِ اعتقالٍ.
تريدنا أن نهزُلَ كهَياكلَ عظميّةٍ
تريدُ مالينكو(8) أو بوجانين(9) أو أيّ امرئ رئيسَنا.
تريدُ أن تُنقّحَنا.
أن تُديرَ البيروقراطيةُ المتورّمةُ مِحَطّاتِ وقودِنا.   
لا فائدةَ. ياه. مَن سيُعلّم الهنودَ القراءةَ. آها. وتريدُ الزنوجَ.
ياه. تريدُنا أن نعملَ ستّ عشرةَ ساعةً يومياً. فالنجدةَ.  
أمريكا هذا أمرٌ خطيرٌ.
أمريكا هذا انطباعي من قراءةِ الصحفِ.
أمريكا أهذا صحيحٌ؟
أفضلُ أن أذهبَ لوظيفتي تواً.  
لا أريدُ أن أنضمّ للجيشِ حقاً أو تشغيلَ مخارطَ بمصانعِ أجهزةٍ دقيقةٍ،
فبَصَري حَسِيرٌ وعقلي مُختَلٌّ على أيّ حالٍ.
أمريكا أضعُ كِتفي الشاذّ(10) إلى دولابِ العجلةِ.   

الهوامش:
(1) Spengler: المؤرخ الألمانيّ، صاحب فلسفة التاريخ، رفض تأييد النازيّ. (م)
(2) Burroughs: يقصد صديقه وليم بوروز، الروائي الأمريكي، صاحب روايتَي "شاذ"، و"مدمن"، وغيرها. (م)           
(3) Henry Ford: الصناعيّ الأمريكيّ، مؤسس شركة فورد موتورز. (م)           
(4) Tom Mooney: ناشط سياسيّ وزعيم عماليّ، حُكم عليه بالسجن 22 سنةً. (م)           
(5) Sacco & Vanzetti: ساكو وفنزيتّي من جماعة الفوضويين. (م)           
(6) Scott Nearing: ناشط سياسيّ واقتصاديّ أمريكيّ متطرف، منطقة تقع شمال شرق باريس. (م)
(7) Mother Bloor: ناشطة عمالية أمريكية، شيوعية. (م)           
(8) Malenko: جورجي مالينكوف، رئيس الحزب الشيوعيّ السوفيتي. (م)           
(9) Buganin: أظنه يقصد بولجانين، وزير الدفاع السوفيتي في الستينيات. (م)           
(10) قد يشير هنا إلى مسألة شذوذه الجنسيّ. (م)   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق