ترجمة: سعيد بوخليط
محمد أركون |
الإسلام والمسيحية واليهودية، كل واحدة من هذه الديانات التوحيدية الكبرى، لها
كموضوع، أن تبرز القيم النوعية الخاصة بكل جماعة إنسانية، يؤكد محمد أركون.
إذن، يتعلق الأمر، من الآن فصاعداً، بتنقية النصوص الكلاسيكية من "الأسطرة''،
التي صنعها التاريخ، بغاية العثور على الهوية الأصيلة، وكذا خلق مساحات للحوار بين
الجماعات البشرية.
كتب محمد
أركون:
نكرر دائماً،أن اليهود والمسيحيين والمسلمين، ينتسبون روحياً إلى إبراهيم، ويؤمنون
بإله حي وخالق، يتجلى لدى البشر، بواسطة الأنبياء: ممّا اقتضى الالتجاء إلى لغة
ذات بناء أسطوري، توظف رموزاً متماثلة. لكن فرص التواصل التي تموضعت، سيتم
تقويضها، بسبب ذاكرات تاريخية متضاربة: هكذا فالتاريخ الذي يعاش، سيتبلور عند كل
جماعة بشرية، في إطار ''قيم نوعية''، غدت رهينة للتاريخ المكتوب. الأكثر خطورة، أنه
إبّان قرون، انصب أساساً اهتمام كل ديانة، على تكريس –بالمعنى الأولي للكلمة-
المعاملات الاقتصادية والسياسية لأتباعها. من هنا، الغموض القاتل للكلمة التي تحدد
الممارسات الشعائرية والمعتقدات المترجمة لعلاقة الإنسان بالله، ثم في ذات الوقت، مجموع
النظريات والتقنينات والعادات وكذا التقاليد، التي يطورها كل جسم اجتماعي. بالتالي،
فإن اتساعاً مفرطاً للديني، خلق المجال لتقديس للدولة وكذا المؤسسات الإسلامية، مثلما
حدث مع اليهودية والمسيحية. ممّا يدعو اليوم، إلى تسوية قوية على طريقة تصور كارل بارت(1)، الذي
قال: «لايمكن
للدين أن يغير من كون، فعل الإنسان في هذا العالم، تم بدون إله. الدين، لايمكنه غير
اكتشاف الإلحاد من خلال كل ازهراره، لأن الدين، هو جسد، حينما امتلكه وتصرف فيه
الإنسان. يساهم في الاختلال، وكذا الطبيعة الدنيوية، عند كل إنسان. إنه أقصى حده
وكماله، وليس بتجاوز أو تجديد له. بما في ذلك، دين المسيحيين الأوائل، أو دين
أشعياء، أو المصلحين. ليس صدفة، أن تنبعث بالضبط رائحة الموت من قمم دينية: لقد
أجاب زفينغلي(2) ، بوصفة من الليبرالية البورجوازية على مايحيط به، وكيركجورد بمغالاة تقوية ضارة، وديستويفسكي بتمزق هستيري…
مأساة، أن قمماً دينية، لا تخلص إلا للدين! الدين لايحرّر، بل يعتقل في ظل أكثر
الشروط فظاعة، قياساً لكل ما بوسعه، أن يعتقل».
هكذا تشكلت على مر السنين، ترسبات أشكال من الوعي، يطويها مجموع يقينيات
تقدست جراء عمل طويل للأسطرة. عمل، يصب في هذا الإطار، هو مايقتضي من الذكاء
المعاصر، التحلي بالجرأة كي ''ينتهك المقدسات"، والسعي إلى التحليل بهدف
عثوره ثانية على ميكانيزماتها، والتخفيف من دوافعها، ثم أن يؤسس أخيراً إذا أمكنه
الأمر، فهماً دون مواربة أو توسط، لقراءة
الواقع بكيفية مباشرة وشاملة. قد يحدث خلال استكشافه، وطرحه لمسألة التخلص من
الأساطير، تحرك خفي لتشكل أسطوري جديد. ويغدو الخطر أكثر تهديداً، عندما نعيش وسط
مناخ إيديولوجيات هي بمثابة أساطير معقلنة، بحيث حل المفهوم محل الرمز. لذلك اهتم
الفلاسفة والتيولوجيين، بالتمييز بين: تفكيك الأساطير، ثم تطهير الدين من
الأساطير. يلتقي بالمطلق، سعي النقد المعاصر، إلى التصدي للتعبد بالأيقونات، مع
الأفق الأكثر ثباتاً لكل الإسلام الكلاسيكي، مثلاً: أوصى هذا الأخير دائماً
بالرجوع إلى الوحي، أبعد من تأويلات وخيانات وأوثان كل الطبائع التي يخطها
التاريخ. ينبغي الوقوف ثانية، كما ردد باستمرار المتصوفة، على كلام الله، عبر
الاستشهاد بـ"النقاوة الأولى'' لكلامه. حالياً، نقول من الضروري، إبراز النواة الأسطورية الأصلية، والقصدية التي تتوخى
تحرير الكتابات وكل المذاهب والممارسات ثم الاعتقادات الملتبسة تحت تسمية الدين. ميزتنا
مقارنة مع القدامى، هو أنه يمكننا إنجاز هذا التفكيك للأساطير، دون رفض للتاريخ، بل
أن نظهر على العكس، نشاطاً أكثر وضوحاً، وأقل استلاباً.
هوامش:
1- كارل بارت (1866 -1968)، ثيولوجي بروتستاني سويسري، دعا إلى تخلي الكنيسة،
عن كل إرادة للقوة.
2- أولريخ زفينغلي (1484- 1531)، مصلح ديني سويسري.
المصدر:
Philosophie magazine ;hors série
;avril2015 ;p43.
هذا النص مقتبس من مسودة مشروع تأليفي جديد، تركه أركون(1928-2010)، تحت
عنوان: كيف نقرأ اليوم القرآن؟ لكنه لم يصدر حتى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق