ترجمة: رشيد وحتي
إضاءة من المترجم: يعتبر دُمُوعُ
أَيْرُوسْ [1961] آخر كتاب ينشره جورج باطاي في حياته، استكمالا لكتاب الأيروسية
[1957]. لهذا جاءً شذريا وأكثر تكثيفًا من سابقيه، وأشمل في تناول جوانب وعصور كان
قد أهملها مشروعه السابق، وبالتالي تناول تاريخ البشرية كاملا من ما قبل التاريخ
حتى الفترة المعاصرة، أنثروپولوجيًّا [طُقُوسِيًّا]، أدبيًّا، فنيًّا، اقتصاديًّا
وسياسيا. للكتاب أيضا طابع سجالي [خصوصا في الفصل الـمترجَم]، حيث قارَعَ باطاي
أسَاسًا السرياليين [متهما إياهم بنزعة هِيـﯖــِلِيَّةٍ
جَدِيدَةٍ].
*****
Gustave Moreau, Léda |
حَتَّى
لَوْ بَقِيَ دُولَاكْرْوَا، فِي الْـمُجْمَلِ، وَفِيًّا لِـمَبَادِئِ
الْفَنِّ التَّشْكِيلِيِّ الْـمِثَالِيِّ، فَقَدْ كَانَ يَنْزَعُ نَحْوَ فَنٍّ
تَشْكِيلِيٍّ جَدِيدٍ، وَرَبَطَ فَنَّهُ، عَلَى مُسْتَوَى الْأَيْرُوسِيَّةِ،
بِتَمَثُّلِ الْـمَوْتِ.
وَكَانَ مَانِي سَبَّاقًا، بِانْزِيَّاحِهِ، قَطْعِيًّا، عَنْ مَبَادِئِ الْفَنِّ التَّشْكِيلِيِّ الْـمُتَوَاضَعِ عَلَيْهَا، إِذْ تَمَثَّلَ فِي لَوَحَاتِهِ مَا يَرَاهُ، لَا مَا كَانَ مُتَوَجِّبًا عَلَيْهِ أَنْ يَرَاهُ. كَانَ خِيَارُهُ يَقُودُهُ، فَوْقَ ذَلِكَ، فِي طَرِيقِ رُؤْيَةٍ فَجَّةٍ، فَظَّةٍ، لَمْ تُشَوِّهْهَا الِعَادَاتُ الرَّاسِخَةُ. لِـمُتَجَرِّدَاتِ مَانِي اخْشِوْشَانٌ لَا يَحْجُبُهُ لِبَاسُ الْعَادَةِ - الْـمُحْبِطُ - وَلَا لِبَاسُ الْـمُوَاضَعَاتِ - الْـمُلْغِي. نَفْسُ الشَّيْءِ يَنْسَحِبُ عَلَى فَتَيَاتِ الْـمَوَاخِيرِ، كَمَا أَرَادَ دُوﯕـَا، فِي مَحْفُورَاتِهِ ذَاتِ النُّسْخَةِ الْفَرِيدَةِ، التَّأْكِيدَ عَلَى فَظَاعَتِهَا..1
أَمَّا
الْأَعْمَالُ التَّشْكِيلِيَّةُ لِــ ﯕـُسْطَاڤْ مُورُو، فَتَمْشِي،
بَدِيهِيًّا بِعَكْسِ هَذَا الْاتِّجَاهِ. كُلُّ شَيْءٍ فِيهَا مُتَوَاضَعٌ
عَلَيْهِ. يَبْقَى أَنَّ الْعُنْفَ نَقِيضٌ لِلْمُتَوَاضَعِ عَلَيْهِ: كَانَ
عُنْفُ دُولَاكْرْوَا بَالِغَ الْعَظَمَةِ بِحَيْثُ أَنَّ الْـمُتَوَاضَعَ
عَلَيْهِ فِي لَوَحَاتِهِ كَانَ يَحْجُبُ بِرَدَاءَةٍ الْأَشْكَالَ الَّتِي
كَانَتْ تَسْتَجِيبُ لِـمَبْدَأِ الْـمِثَالِيَّةِ. لَمْ يَكُنْ الْعُنْفُ، بَلِ
الْفَسَادُ، الْهَوَسُ الْجِنْسِيُّ، هُوَ مَا رَبَطَ شُخُوصَ ﯕـُسْطَاڤْ مُورُو بِالْعُرْيِ
الْـمُرْعِبِ لِلْأَيْرُوسِيَّةِ..
عَلَيَّ
الْآنَ، كَيْ أَنْتَهِيَ، الْحَدِيثُ بِصَدَدِ الْتَّشْكِيلِ السُّرْيَالِيِّ،
الَّذِي يُمَثِّلُ، عُمُومًا، التَّصَنُّعَ فِي الْفَتْرَةِ الرَّاهِنَةِ.
تَصَنُّعٌ؟ هَذِهِ الِكَلِمَةُ، فِي بَالِ مُسْتَعْمِلِيهَا، لَمْ يَعُدْ لَهَا
مَعْنًى فَضَائِحِيٌّ. وَأَنَا لَا أَلْتَجِئُ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا إِلَّا
بِمَعْنًى يُوْحِي بِعُنْفٍ مُمْتَدٍّ لَا يُمْكِنُنَا، مِنْ دُونِهِ،
التَّحَرُّرُ مِنَ الْـمُوَاضَعَاتِ. وَدَدْتُ اسْتِعْمَالَهَا لِلتَّعْبِيرِ عَنْ
عُنْفِ دُولَاكْرْوَا أَوْ عُنْفِ مَانِي، أَوْ حُمَّى ﯕـُسْطَاڤْ مُورُو. وَهَا أَنَا
أَسْتَعْمِلُهَا لِلتَّأْكِيدِ عَلَى مُعَارَضَةِ كْلَاسِيكِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ،
وَهِيَ تَقْتَفِي أَثَرَ حَقَائِقَ ثَابِتَةٍ: التَّصَنُّعُ بَحْثٌ عَنِ
الْحُمَّى!
هَذَا
الْبَحْثُ، فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَرِيعَةً،
مَرَضِيَّةً بِدَوْرِهَا، لِلَفْتِ الْانْتِبَاهِ؛ وَهَذِهِ هِيَ حَالَةُ رَجُلٍ
شَاءَ أَنْ يَتَعَامَلَ بِغِشٍّ مَعَ الْأَيْرُوسِيَّةِ، نَاسِيًا حَقِيقَتَهَا
الْخَطِيرَةَ..2
Edouard Manet, Bains dans la Seine |
الهوامش:
1 . سِيزَانْ الشَّابُّ مُتَشَبِّعٌ
بِنَفْسِ الْمَنْزَعِ: أَرَادَ بِلَوْحَتِهِ أُوْلَـمْپْيَا أَنْ يُعَارِضَ
أُوْلَـمْپْيَا مَانِي عَبْرَ فَظَاعَةٍ صَارِخَةٍ، وَلَكِنْ، فِي مُنْتَهَى
الْـمَطَافِ، لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ إِقْنَاعًا مِنْ نَظِيرَتِهَا لَدَى مَانِي،
الَّذِي عَثَرَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْحَقِيقَةِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْغَرَابَةِ،
مِنْ أَجْلِ التَّصَادِي مَعَ زَخَمِ الْجَاذِبِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ.
2. أَتَحَدَّثُ عَنْ
سَلْڤَادُورْ دَالِي، الَّذِي كَانَتْ أَعْمَالُهُ التَّشْكِيلِيَّةُ، فِيمَا
مَضَى، تَبْدُو لِي مُلْتَهِبَةً، وَالَّتِي لَمْ أَعُدْ أَرَى الْيَوْمَ إِلَّا
مَكِيرَتَهَا. وَلَكِنِّي أَظُنُّ أَنَّ الْفَنَّانَ انْقَادَ لِغَرَابَةِ
مَكَائِرِهِ، الَّتِي صَارَتْ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ مُضْحِكَةً وَمُلْتَهِبَةً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق