الثلاثاء، 27 يناير 2015

رسائل السجن: الماركيز دي ساد

ترجمة هيئة تحرير موقع الأوان

Man Ray,marquis de Sade
ولد الماركيز دي ساد نبيلاً عظيماً في عام 1740 وتوفّي بائساً فقيراً في مصحّة عقلية في عام 1814. تمتدّ حياته لتشمل العصر الذي حدثت فيه الثورة الفرنسية، وتوفّي في العام ذاته الذي تنازل فيه نابوليون عن الحكم، حين عادت الملكية إلى فرنسا من جديد. يقف دي ساد على تخوم العصور الحديثة، فهو يشرف على الماضي والحاضر، في فترة نوقشت فيها طبيعة الجوهر الإنساني بحرية، كما يحدث في عصرنا الراهن.
تعنى أعمال دي ساد بمناقشة طبيعة الحرية الجنسية، وتعتبر أعماله ذات أهمية خاصّة للنساء بسبب رفضه النظر إلى الجنسانية الأنثوية ضمن علاقتها مع الوظيفة التناسلية، رفضٌ كان مستهجناً في نهاية القرن الثامن عشر، كما هو مستهجن الآن، رغم أنّ وظيفة النساء ككائنات منجبة ما تزال قيد البحث في أيامنا هذه.
حكم على ساد بالسجن لمدّة أربعة عشر عاماً من دون محاكمة قبل أن تحرّره الثورة الفرنسية. في تلك الفترة كتب المئات من الرسائل لزوجته ولغيرها. الرسالة التي بين أيدينا شكوى تتردّد في جميع رسائله من الظلم الذي يزعم أنّه كان ضحيته، خصوصاً من حلقة أقاربه الذين كانوا يحرّضون القضاة والمحاكم على النيل منه.


رسالة إلى زوجته تموز عام 1777

يقين أنّ أمّك ترتكب وضاعة أخرى من وضاعاتها عندما تستخدم القضاة لإقناعي بأنّ حريتي مرهونة بإقرار كامل من جانبي بتلك النزعات الهدامة التي نسبت إليّ والتي تعرفينها جيداً. أيّ نصر ستحقّقه بالتهديد والقسر ما يمكن أن تحصل عليه بيسر، وما أعدّه واجباً إعطاؤه عربون شكري وامتناني لها إن كان بمقدوري! ( يشير دي ساد إلى أنّ والدة زوجته تسعى إلى أن تصبح القيّمة على أملاكه). إنّ هذه المرأة فائقة الذكاء، كما يقول الأب دي ساد، لا تدرك أنّ أيّ شيء يوقّعه المرء في سجنه لا يساوي قيمة الورقة التي خُطّ عليها التوقيع. كما أنّها لا تعرف أنّ استرداد المرء لأملاكه عند إطلاق سراحه سيعود بالخذلان على أولئك الذين دُفعوا إلى الحصول عليها، وبالعار على من اتُهموا بالحصول عليها. كم كان من الأفضل أن ترضيني من دون شروط، عندها سأفعل كلّ ما تطلبه من دون إكراه. لكنّ هذا يقتضي نعمة الحساسية والإدراك وهذا ما ليس عندها. فتلك الكلمات ليست في قاموسها.
يجعلني الاحترام الذي أكنّه للمفاوض الذي تستغلّه ( ربما كان المقصود هنا الأب إمبلي) أفعل ما بوسعي. لكن ربما ما سأفعله لن يكون كلّ ما تطلبه. ربما تجهلين يا عزيزتي بعض ما فعلته أنا في هذا المجال. أخيراً، أرجو أن تفهمي بأنني لن أكون ضحيّة تلك الحيل السخيفة والحمقاء والأكاذيب والخدع التي يستخدمونها ضدّي. كما لن أكون ضحيةً لك ولأقربائك والحلفاء الفاتنين لهم.
كتبت رسالتين كي أسهّل البحث الأكاديميّ للممتحنين والمختصرين والمعلّقين ومحرّري أسلوبي ( يقصد رقباء السجن). فبهذه الوسيلة سيتمكّنون من الانتقاء والاختيار.
لاشيء يمكن أن يعبّر عن معاناتي وآلامي عندما أدركت أنني لن أخرج من هنا في نهاية حزيران. لقد طال الأمر! يا الله، ما الذي سأصبح عليه؟ أستدفنني هنا وحشيتهم تلك إلى الأبد؟ اصغي إلي للمرّة الأخيرة. إن امتنعت عن الاستجابة لي والتعاطف معي أقسم بأنني سأنساك ولن أتوجّه إليك بمزيد من كلام. كما أقسم بأنّني سأتركك إلى الأبد عندما أغادر هذا المكان. ثمّة رقم 3 جديد كتبته في الرسالة الثالثة بحبر سرّي ويؤرّخ للثالث والعشرين من أيار. أيعني هذا لك شيئاً، أجيبي بنعم أو بلا؟ ( هذا مثال قديم على تفكّر دي ساد في الأحداث أو الرسائل وقراءته لها، سواء كانت في الحاضر أو في الماضي ساعياً من خلال ذلك إلى اكتشاف دلائل أو “إشارات” كما يدعوها، يعتقد بأنها ستشي له بتاريخ إطلاق سراحه). إن كان ذلك يعني أيّ شيء، اخبريني في نهاية رسالتك بالحبر السرّيّ بأنني شخص ذكيّ، وإن كان لا يعني أيّ شيء، انعتيني بالأحمق.
ثمّة طريقة خفيّة مناسبة وتستطيعين من خلالها أن تساعديني بشأن ما أطلبه. ويقين لن يعرّضك هذا للشبهة أبداً. تأكّدي إن أخبرتني، لن أنطق بكلمة ولن أبدي انزعاجي بأيّ حال من الأحوال.
وداعاً! امنحيني السكينة ولبي ما طلبت. فأنا بأمسّ الحاجة إليه بعد كلّ ما قاسيته هنا في هذه الأيام. ولا تحاولي إخباري بأنّك لم تستلمي هذه الرسالة. فيقين أنّك تلقيت جميع الرسائل التي بعثت بها إليك. عندما تنكرين أنك استلمتها، فلأنّك لا تريدين أن تستجيبي لما تحتويه. أكتب هذا على نحو آليّ بالأبيض والأسود وأنت تدركين ما أرمي إليه.
أي حبيبتي إن استجبت، سأكون ممتناًّ لك مدى الحياة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق