السبت، 26 مارس 2016

مَا يَقْرَعُ عَلَى كَلِمَاتِنَا: بيير طُرُويْ



ترجمة جمال خيري

عن كتاب "ما يقرع على كلماتنا". لبيير طُرُويْ الشاعر الفرنسي الملقب بشاعر الأنوار الأطلسية (1921-2005)، صدر الكتاب عن منشورات فاتا مورغانا 1998


لَيْلَى!
هَا ذَا الصَّمْتُ يَرْوِينَا

***

Pierre Torreilles


 1- وِجْهَةَ أَسْوَانْ

... مَرْكَبُ الصَّمْتِ يَتَعَالَى صَوْبَ يَنْبُوعِهِ...
يَطْمِرُ، فِي ضَرِيحِهِ الْمُوحِشِ...
غِيَاباً آهِلاً...
... النَّهْرُ
          وَهْوَ يُغْرِقُ الْمَدَى
يُهَدِّدُ بِطَمْسِ
         الْمَثْوَى الْمُشَيَّدِ عَلَى الذَّاكِرَةِ الْيَتِيمَةِ.

... الْأَرْضُ
        الَّتِي حُمِلَتِ الْهُوَيْنَى
تَجْهَلُ
أَعْمَقَ مِنْ حِبْكَةِ الْمَاءِ
مَا فِيهَا مُهَاناً يُهَدِّئُ الصَّحْرَاءَ.

... الْهَوَاءُ،
        مَائِدَةُ الزُّمُرُّدِ،
يَغْمُرُ الْفَيْضَ
                 بِالشَّمْسِ
عَاكِساً كَوْنَ الرَّمْلِ الْأَمْغَرِ...
نُوراً مِنْ إِبْرِيزِ ذَاتِهِ

... الْوَقْتُ
            إِذْ يَحْفِرُ إِيقَاعَهُ
يَسْقِي
شِعَابَهُ بِأَنْقَاضٍ مُنْتَهَكَةٍ، شَامِخاً
يَنْحَتُ احْلِيلاَكَ الْحَجَرِ.

لاَ شَيْءَ يَبْدَأُ
حَيْثُ الْأَبْجَدِيَّةُ تَنْقَلِبُ، فِي مَتَاهَاتِهِ الْمَدْفُونَةِ،
يَا التَّحَوُّلُ الثَّابِتُ!

... مُطْرِقٌ فِي الْبَهِيِّ
جَفْنُ الْآلِهَةِ...


لاَ شَيْءَ تَغَيَّرَ،
        تَائِبَةٌ إِلَى النَّهَارِ،
                  غَابَاتُ مِسَلاَّتٍ عَظْمِيَّةٌ،
ابْتِهَالاَتٌ هِيفٌ لِأَيْدٍ سَاهِدَةٍ.

فِي مَرْمَى الْمَدَى الْبَعِيدِ
سَطْحُ الْبَحْرِ الْأَزْرَقُ،
صَقْرٌ مُقَدَّسٌ،
يَسْمَحُ لِلزَّفِيفِ الشَّرِسِ
لِقَدَرٍ أَعْمَى
بِالاِنْقِضَاضِ عَلَيَّ...

صُخُورٌ مُتَنَاثِرَةٌ فِي مَصَبِّهِ،
وَطُيُورُ أَبِي مِنْجَلٍ
                  تُكَتِّلُ اللَّيْلَ،
ذَا الْبَيَاضُ الْمُتَآكِلُ لِفَجْرٍ دُونَ وَجْهٍ.

يُحِبُّهُ الْبَشَرُ وَالْآلِهَةُ،
يُذِيعُ الْهَدِيرَ الْمَلْفُوظَ دُونَ صَدَى،
مِنْ ضِفَّةٍ إِلَى أُخْرَى، الْمَوْتُ
يَدْعُو إِلَى الرَّحِيلِ الْعَكْسِيِّ...

تَسْهَرُ، جَامِدَةً، هَذِهِ السَّكِينَةُ الْعُظْمَى،
مِنْ هُنَا صَوبَ اللَّامَكَانِ الْبَابُ مُنْتَزَعٌ عَنْ مِفْصَلاَتِهِ
فِي التَّفَتُّتِ النَّيِّرِ.

وَهَا :
      مُخَلَّصاً فِي سُمُوٍّ،
فَاصِلاً اللُّجَّةَ عَنْ ضَحِكِهَا،
لُبٌّ بِنَظَرَاتِ الْمَاءِ فِي حَوْضِهِ الْمَحْفُورِ،
مَدَارٌ مَعْدِنِيٌّ،
يُنْزِلُ إِلَيَّ الشَّمْسَ مِنْ جَدِيدٍ
                                    يُنْزِلُ الْخَفِيَّ،
                                                   مُحْرَقاً،
مُنْذُ الْأَبَدِ دُونَ ضَرِيحٍ.


2- صَمْتُ النِّيلِ

أَيُّ كَوْنٍ
مَصْقُولٍ مُسَوَّى
تَزِلُّ فِيهِ كِتَابَةٌ بِخَطٍّ سَالِفٍ، يَا الذَّاكِرَةُ؟

فَاتِحَةٌ لِهَذَا الصَّمْتِ
حَرَكِيَّةُ النَّهْرِ الْجَلِيَّةُ...
تَمَزُّقُ الْوَقْتِ
صَرْخَةٌ صَمَّاءُ،
                     حَرْفٌ أَوَّلِيٌّ
مِنْ فَوْرِهِ يُبَدَّدُ فِي النَّارِ
عِوَضَ أَنْ، مُكْتَظًّا، مَطْمُوراً تَحْتَ الْحَجَرِ،
يُسَامِرَ خَلِيَّةَ التَّارِيخِ...

أَيُّ مَدٍّ مُتَوَانِي
يَتَحَرَّكُ
عَلَى ذَبْذَبَةِ الْمَاءِ ذِي،
هَامِساً بِمَا يَتَنَحَّى عَنْهَا،
كَاتِماً مَلاَذَّ فِكْرَةٍ كَاهِنَةٍ؟
يَا الْإِلْحَافُ الْكَرِيمُ
الْمُتَوَجَّسُ بَيْنَ ضِفَافِ
تَعَالِيمِ الْمَوْتِ النَّيِّرَةِ!

أَيُّ فَجْوَةٍ تَكْتَمِلُ
مُصَاغَةً بِتَمَعُّنٍ
مِنْ فَجْوَةِ التَّوَهَانِ نَفْسِهَا؟
كَمْ مَرَّةً طُمِسَتْ مَعَالِمُهَا
فِي الْقَحْطِ الذِّي لاَ سِيمَاءَ لَهُ؟

يَا الصَّمْتُ الْمُرَقَّشُ بِأَسْمَاءٍ جَلِيَّةٍ
مَطْمُورَةٍ تَحْتَ الرَّمْلِ، إِلَى الْيَوْمِ صَمَّاءَ،
مُعْرِبَةٍ
عَمَّا كَانَتْ تَحْتَفِلُ بِهِ خِفْيَةً
إِلَى أَعْمَقِ حَمِيمِيَّةِ يَدَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ
فِي صَلاَةٍ صَوَّانِيَةٍ!

حِكْمَةٌ مُبْهِرَةٌ
هَا مَدَى الصَّحْرَاءِ الْمُجْتَزُّ
يَنْتَظِرُ
الَّذِي فِينَا يَتَأَمَّلُهُ كَتَّانُ النَّهْرِ،
وَيَتَمَطَّى، وَيَلُمُّ
بِبُطْءِ سَذَاجَتِهِ،
كَنَسَّاخٍ أَبَدِيٍّ لِلْبَقَاءِ،
لُغْزَ رَكْضِهِ الْخَانِقَ.

غَلِقٌ
حِبْرُ هَذِهِ الْكِتَابَةِ النَّاضِبَةِ
حَيْثُ يَتَفَشَّى كَثِيرُ الْكَلاَمِ،
مُتَصَادِياً بِوُجُودِ الْإِلَهِ
مُغَيِّراً شَكْلَهُ
تِبَاعاً لِوِفَاقٍ جِدِّ حَمِيمِيٍّ.

قِرَاءَةٌ رَصِينَةٌ وَضَّاحَةٌ
لِبَعْضِ الْمُغَامَرَاتِ الْجَوَّانِيَّةِ.

وَيُغْمَى عَلَى التَّجَلِّي،
مُرْشِدِ الظِّلَالِ الْمُتَوَاتِرَةِ،
شَمْسِ تَأَمُّلٍ
مُتَجَذِّرَةٍ حَسَبَ الْوَقْتِ
تَكْشِفُ لَنَا عَنِ الْمِصْبَاحِ الْأَبَدِيِّ
يَتَعَجَّلُ الْقَبْضَ عَلَى الْبَرْقِ
فِي طَمْيٍ مَبْذُورٍ مُنْذُ الْأَزَلِ.


3- أَغْرِيجَنْتُو(1)

مَأْسَاوِيٌّ وَجْهُ الصَّخَبِ الْأَزْرَقِ الْعَارِي!
غَيْرَ مُخْتَلِفٍ مَا يَزَالُ عَنِ الْبَحْرِ وَالسَّمَاءِ مَعَهُ،
الدَّقُّ الْبَاهِرُ،
طَارِقاً زُهَاءَ الْفَجْرِ الرُّخَامَ الْمُتَدَفِّقَ،
يُسَامِرُ الْبَابَ الْإِغْرِيقِيَّ الْأَرِقَ.

مُنِيرةً، تَسْبِي مِنَ الْبَحْرِ الْجُذُورَ الصَّوْتِيَّةَ،
فِي الْحَجَرِ تُلَطِّفُ الْهَوَاءَ
الزَّيْتُونَةُ ذَاتُ النَّظَرِ الْمُتَعَدِّدِ.

... دَلِيلٌ، إِبْرِيزُ الْجُذُوعِ الْمُشَذَّبَةِ
يُسَمِّرُ فِي الْعَيْنِ الْبَاهِتَةِ
التَّنَبُّؤَ الْمُتَبَصِّرَ لِلْكَلاَمِ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ.

هُنَا، يَرْتَدِي الْجَمَالَ،
حِيلَةً لِتَدْبِيرٍ مُنْغَلِقٍ عَلَى نَقَاءِ الْمَوْتِ،
خَرَسُ الْمَدَى فِي الصُّرَاخِ الْآسِفِ لِكَاسِرٍ...

لَكِنِّي لَا يُسْمَحُ لِي أَنْ أَرَى،
مَأْخُوذاً بِالْهَلَعِ الشَّدِيدِ،
مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ الْمُتَآكِلِ يَخْبُو النَّظَرُ.

"يَا الْأُمُّ الْفَرِيدَةُ الَّتِي نَتَنَفَّسُهَا"
أَيُّ هَدْأَةٍ غَرِيبَةٍ هَذِهِ؟
أَقْنَثَا(2) اللَّيْلِ ذَاتُ الْجُفُونِ الْمُمَزَّقَةِ
تَمْنَحُ لِلسُّطُوحِ الْمَفْقُودَةِ مَظْهَرَ الصَّمْتِ الْمُتَآكِلِ؟

مَاثِلٌ لِمَنْ يَسْتَطِيعُ لَمْسَهُ،
أَيُّ وُضُوحِ أَعْمَى لِكَارِثَةٍ فِي مَخَاضٍ
يَرْعَى
فَوْضَى قِطَعٍ مُنْحَنِيَّةٍ نَحْوَ اللَّاشَيْءِ؟
وَيَدَعُ الْإِبْرِيزَ الْخَالِصَ يُرَاقُ مِنَ الْبَلاَءِ الَّذِي لاَ يَنْتَهِي؟

مَدَافِنُ سِرْدَابِيَّةٌ فِي الْهَوَاءِ الطَّلْقِ،
مَثْوَى الْمَوْتَى حَيْثُ الْمَعْنَى يَتَنَاقَصُ،
أَيُّ وِلاَدَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ تُفْلِتُ مِنْ هَذَا النَّزِيفِ؟
أَيُّ مَجْدٍ لاَ يَتَوَقَّفُ عَنْ إِبْهَارِ كَلاَمِ الْغُمُوضِ
الَّذِي لَمْ يَحْدُثْ أَبَداً، وَيُقِيمُ فِي الْجَلِيِّ؟

مَنْ يُنَادِي؟
وَلَكِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي يُنَادِي!

يَتَحَقَّقُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ،
مُثْبِتاً نَفْسَهُ لِذَاتِهِ، مَا يَقْرَعُ عَلَى كَلِمَاتِنَا.
دَمٌ أَسْوَدُ، دُنُوٌّ مُقِيمٌ،
الْأَلَمُ الْعَمِيقُ يُودِعُ طَمْيَهُ،
وُشْكاً، لِمَدٍّ، بَعِيداً مَا يَزَالُ...

يُخَاطِبُكَ،
عَلَى الْعَتَبَةِ الْجَامِدَةِ لِلْعُزْلَةِ،
مَرْمَرُ الصَّوْتِ الصِّرْفِ
كَاشِفاً عَنِ الْحَاصِلِ الْعَتِيقِ.

الْمُقَرَّبُ مِنْكَ، الَّذِي لَمْ يُخَلَّفْ،
يَلْتَحِقُ بِشَسَاعَةٍ دُونَ بُرْهَانٍ،
فِي مَغْرَةِ لِسَانِكَ،
لِأَسْمَاءٍ آهِلَةٍ بِالْآلِهَةِ.

الَّذِي لاَ يَنْكَشِفُ، هَا هُنَا، يَشْهَدُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ.

يَسْتَحِمُّ
ارْتِدَادُ النَّظَرِ هَذَا الَّذِي يَمْحُوهُ الْوَقْتُ
وَجَدَعَاتُ الصَّمْتِ.

تَتَوَلَّجُ فَتَقْضِي بِالسَّمَاءِ الْجَوْقَةُ
دَاعِمَةً، مُمَزَّقَةً، كَتِفَ الْمَوْتِ...

يَسْتَعِيرُ مِنَ الْأَرْضِ تَقَاطِيعَهَا،
يَنْفَجِرُ، إِذْ سَبَقَ أَنْ عَرَفَ الْمَخَاضَ،
الْأَصْلُ، فِي نَشَاطٍ دَائِمٍ،
حَيْثُ تُهْلَكُ الذَّاكِرَةُ.

حَجَرُ الْخُلُودِ،
فَيْضٌ مَجْدُوعٌ مَحْمُولٌ إِلَى الْخَصَاصَةِ،
هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي الْحَجَرِ.

أَيُّ قَضَاءٍ يَقْطُنُ مَا يَزَالُ، مُتَّقِداً،
فِي عَيْنِ الْغُرْغُونِ(3) أَلَقَ الْأَزْرَقِ الْمُذَهَّبَ؟

فِي الْبَعِيدِ سَاكِناً، يَنْتَظِرُ،
مَدُّ الْحُمَمِ الْمُظْلِمُ...

مِسَلاَّتٌ مَصْعُوقَةٌ تَنْصُبُ أَصْلَهَا الْعَبُوسَ،
هُنَا تَنْفَكُّ الْحَيَاةُ مِنِ اشْتِبَاكِهَا بِالْمَوْتِ.
أَرْمِي الْبَهَاءَ الْأُولَمْبِّيَّ،
أَلْمَسُ، مُرْتَجًّا فِيَ،
الْحَرْفَ الْحَامِلَ لِصَمْتٍ صَافِيٍّ.


4- إِتْنَا. الرَّاقِدُ بَيْنَ يَدَيْنِ عَارِيَتَيْنِ(4)

صَوْتٌ حَاسِمٌ يَتَجَسَّدُ فِي الْفَضَاءِ الْمُرِيبِ،
وَالرَّاقِدُ يَعِنُّ مِنْ فَرَاغٍ
يَنْكَشِفُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ...

الْجَزْرُ بِأَمْوَاجِهِ النَّارِيَّةِ-الْبَارِدَةِ،
تَرْتَفِعُ مِنَ الصُّبْحِ عِنْدَ حَدَثَانِهِ
الْأَنْفَاسُ اللَّمَّاعَةُ...

زَبَدٌ...

الثَّابِتُ، مُعَلَّقٌ
فِي عُرْضِ هَذِهِ الْمَسَارَاتِ السَّوْدَاءِ...

أَيُّ بَصِيصٍ مُشَرَّدٍ يَتَأَلَّقُ
شَفِيراً يُوصِلُ الْوُضُوحَ
الْمُتَآلِفَ بِالثَّلْجِ إِلَى مُنْتَهَاهُ؟

إِشَاعَةٌ مَرْئِيَّةٌ حَيْثُ النَّظَرُ يُصِيخُ،
وَأَكْثَرُ مِنْ سَحَابَةٍ مَا يَمُرُّ، وَكَلاَمٌ يَتَمَوَّجُ
عَلَى الصَّمْتِ الْعَارِي.

حِينَ تُلْغِي نَفْسَهَا حَيَاةُ السِّرِّ الْبَاطِنِيَّةُ
يَا نُبُوَّةَ الْبِحَارِ! الرَّحِمَ الْهَامِدَ!
تَجْنَحُ إِلَى هَذِهِ الْمِيَاهِ الضَّحْلَةِ الْأَلْمَاسَةُ الزَّرْقَاءُ السَّوْدَاءُ
وَالسِّيمَاءُ عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنَ الْأُفُولِ
تَنْسَابُ مِنَ الظَّلاَمِ الْقَرْنِيِّ...

فِي الْمُحِيطِ، مَأْدُبَةٌ إِغْرِيقِيَّةٌ،
حُبْلَى بِالذَّاكِرَةِ، الْجَمْهَرَةُ شَعْثَاءُ،
فُسْتُقٌ وَلُزَانٌ(5)، قُشَارَاتٌ مُشَغَّلَةٌ...

بَرِيقُ الْهَشِّ الَّذِي لاَ يَنْضَبُ،
هَذَا الْمُتَقَطِّعُ الْبَطِيءُ الْمَوْصُولُ بِالْإِيقَاعِ الَّذِي يُمَدِّدُهُ،
عُزْلَةٌ جَهِيرَةٌ...

صَقْعٌ أَرْمَلُ حَيْثُ يَبْدُو الْوَجْهُ دُونَ فَمٍ
صِيَاحاً أَصَمَّ يُنَاشِدُ الْأُولِيمْبُوسَ،
أَكَمَةَ الْإِلَهِ الْجَهَنَّمِيِّ الْمَبْقُورَةَ،
بَلاَطَ مَدْخَلِ الْمَعْبَدِ الْمَدْفُونِ الْمُظَّلَّلَ الْأَزْرَقَ...

الزَّيْتُونُ الْمَلْفُوفُ يُوقِظُ بِرِفْقٍ
عِظَامَ الْمَسْرَحِ الْفَارِغِ الْعَارِيَةَ،
حَرَكَةٌ ثَّابِتَةٌ حَيْثُ يَتَجَاوَزُ نَفْسَهُ دُونَ مَنْفَذٍ
مِنَ الْمَعْبَدِ الْمُحْتَرِقِ الْغُطَاسُ الْأَوَّلُ.
أَصَمَّ فِي انْتِظَارِ الْجَمَالِ الْإِغْرِيقِيِّ.

...

يَا عَمَاءَ الْقُرُونِ، الاِلْتِئَامَ الْمُسْتَحِيلَ!
مَبْذُورَةٌ عَلَى جَانِبَيْكَ، كَمَحَارَاتٍ مُجَلْجِلَةٍ فِي الْمَدِّ،
صَيَحَاتُ طَيَرَانِ الْبِنْيُونْيَا...(6)

صَنَّاجَاتُ النَّهَارِ تَفْسَحُ سِيَاجَ
نَفْسِ النُّورِ،
انْزِلاَقاً عَارِياً لِلشَّفَافِيَاتِ
بِنَظَرٍ طَافِحٍ...

... أَيُّ لُغَةٍ مُنْبَعِثَةٍ مِنَ الْمَمْلَكَةِ السُّفْلَى
تُنَاغِمُ، مُشْرِقَةً وَمُقَدَّسَةً،
ابْتِهَاجَ الْجُدْرَانِ الْمُفَكَّكَ،
هَنْدَسَةً شَعَائِرِيَّةً، تَعْكِسُ إِبْرِيزَ الْحَجَرِ الْمُوحِشَ؟

الْوَقْتُ الْمُنْفَتِحُ يَنْغَلِقُ عَلَى قَلْبِ طَبَرْمِينَ(7)،
قِرْمِيدٌ مُتَشَابِكٌ، يُوَسِّعُ فِي رَاحَتِهِ،
حَافَّةَ الصَّمْتِ الْمَغْرَاءَ،
وَخَشَبُ السَّقْفِ، فُسَيْفِسَاءٌ فِي فَجْرِ الْمَعْنَى،
يُعِدُّ، مُتَدَرِّجاً، حَاضِرَ الْكَائِنِ الْقَصِيِّ...



هوامش:
(1) أغريجنتو: مدينة تاريخية إيطالية، سميت أصلا من طرف الإغريق "أكركاس"، ثم من طرف المسلمين الفاتحين "كِركَنت".
(2) أقنثا: نبات مزهر.
(3) الغرغون: كائن خرافي -ثلاثة أخوات- في الأسطورة الإغريقية بشعر من ثعابين من نظر إليه تحول إلى حجر.
(4) إتنا، جبل/بركان إيطالي.
(5) اللزان: نبات مزهر.
(6) البنيونيا: نبات مزهر.
(7) طبرمين: أو تاورمينا، مدينة إيطالية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق