الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

جورج باتاي (1896-1962)؛ وعشرون عامًا بعد رحيله: زينب عبد العزيز

العدد 243 لجوان 1987 من مجلة "Magazine Littéraire"
أفردت مجلة "مجازين ليترير" "Magazine Littéraire" الشهرية الصادرة في يونيو 1987 جزءاً خاصاً عن الأديب الفرنسي الراحل جورج باتاي، وذلك بمناسبة ظهور أهم وأحدث كتاب عن حياته وأعماله، والكتاب بقلم ميشيل سوريا (Michel Surya) الذي تخصص تقريباً في الكتابة عن جورج باتاي ومؤلفاته، ويتضمن هذا الجزء من المجلة عدّة مقالات وأبحاث بقلم بعض كبار النقاد والأدباء الذي ساهموا في الاحتفال بمناسبة مرور عشرين عاماً على وفاة باتاي.
وتتناول هذه الأبحاث المتعددة مختلف الملامح التي تميّز جورج باتاي وأعماله. مثل المكانة المميزة للصور والرموز في كتابته. وتجربته مع الشعر، وقيمة مؤلفاته في المجال الاقتصادي، وموقفه المعادي للسريالية، ومساهمته الفعالة في المجلات الأدبية، كما تناولت بعض هذه المقالات والأبحاث موقفه من بعض معاصريه مثل الأديب جان بول سارتر والفيلسوف لاكان (Lacan) والأديب روجيه كايوا (Roger Caillois). وتنتهي هذه الأبحاث بمقال عن المكانة الحالية لجورج باتاي في المجال الأدبي.
والبحث الأول بقلم ميشيل سوريا وقد تناول فيه حياة جورج باتاي الذي ولد في العاشر من سبتمبر عام 1896، وهنا يربط كاتب المقال بين الأديب وظروفه الأسرية فما أن بلغ جورج باتاي العاشرة من عمره حتى أودع في القسم الداخلي من المدرسة بناء على طلبه وذلك لتفادي الجو العائلي المتدهور بمشاحناته. فقد كان والده ضريراً مصاباً بالشلل ولا يكفّ عن الصراخ والشكوى وكان ذلك ينعكس على والدته ويزيد من معاناتها. ورغم أن والديه كانا بعيداً عن التدين إلا أن جورج باتاي قد اندفع بعمق إلى التدين، لكن سرعان ما عدل عن فكرة تكريس حياته للرهينة واختار الكتابة مجالا له. وقد فرض على نفسه برنامجا صارماً للعمل والتأمل.
وفي عام 1918 أصدر جورج باتاي أول كتاب له بعد أن استقرّ في العاصمة الفرنسية، ثمّ قام بزيارة إلى العاصمة البريطانية حيث كان يودّ القيام ببعض الأبحاث في المتحف البريطاني وهناك التقى بمحض الصدفة بالناقد الفيلسوف هنري برجسون (Henry Bergson) واطلع على كتابه الشهير عن "الضحك" ورغم أن جورج باتاي لم يقرّ كلّ ما أتى في هذا الكتاب إلا أنه خرج منه بما أثر في حياته وخاصة على اتجاهه وأسلوبه الأدبي، فقد أيقن أن الضحك هو الركيزة الأولى للتعبير الانساني وأهم مفتاح للنفس الإنسانية.
رغم تخلي جورج باتاي عن فكرة الرهبنة إلا أنه لم يتخلّ عن إيمانه ولا عن شعوره العميق بأن هناك عالم آخر غير الذي نعيش فيه، ثمّ انغمس في التهام أعمال الفيلسوف الألماني نيتشه (Nietzsche) ليخرج منها بتساؤل كان يوقفه عن الاستمرار في الكتابة: «لماذا أجاهد في محاولة التعبير عن فكري وآرائي بما أن كلّ ما أفكر فيه تمّ التعبير عنه بكلّ هذا الوضوح؟»
وابتداء من العشرينات ساهم جورج باتاي في العديد من المجلات الأدبية إلّا أن أهم كتاباته في تلك الفترة كانت تتركز في تلك الحملة المعادية للسريالية بعد أن كاد ينساق إلى تيارها لفترة ما.
ويقول الناقد ميشيل بليه (Michel Blais) في مقالة عن "الصور والرموز" في مؤلفات جورج باتاي: «إن الفن هو المجال الوحيد من الدعامات الأفلاطونية الثلاث الذي ظلّ راسخاً في التجربة الذاتية لجورج باتاي فالحق المطلق يمثل عداءه المطلق للشرّ". ثمّ يوضح كيف كان جورج باتاي –حينما يلتقي بأحد الفنانين أو حينما كان يقوم بدارسة تاريخ الفن- يحاول إيجاد حوار دائم ومتعدد الجوانب بين الأشكال الفنية والمعاني والصور والرموز.. فالرموز في نظره أهم ما يميز العمل الفني كما أنها تمثل مجال الحوار العالمي. وهنا يحدّد كاتب المقال أن القيم الجمالية عند جورج باتاي مرتبطة بارتباطه  بالجانب الخير في الإنسان. إذ أن الخير الذي يمثل القيمة الجمالية يدين ما هو زائف للتوصل إلى معرفة الحق.
ومن أهم مؤلفات جورج باتاي في المجال الفني كتابه عن مغارة لاسكو (Lascous) الشهيرة. وكتابه الآخر عن حياة وأعمال الفنان الفرنسي مانيه (Manet). أما الكاتب ماكس بيلين (Max Bilen) أحد أساتذة الأدب الفرنسي فقد تناول تجربة جورج باتاي في مجال الشعر. حيث أن التجربة الشاعرية لدى جورج باتاي عبارة عن طريق متواصل لتصعيد الذات في محاولة زاهدة.
ويبدأ ماكس بيلين (Max Bilen) بحثه بأن جورج باتاي كان ضحية الفلاسفة والنقاد. إذ كان يعتبر أن الأدب أما أن يكون بكيان متكامل ويمثل كل شيء بالنسبة للأديب أو لا يكون شيء. ولقد حاول جورج باتاي التخلي والتجرّد عن كلّ شيء لدرجة محاولة التجرد من ذاته، إذ يحدّث قبره قائلاً:
«هناك، في أعماق الأرض
آه يا قبري
خلصني من ذاتي فلا أودّ أن أكونها"
ويختتم ماكس بيلين (Max Bilen) مقاله بأن التجربة الشاعرية عند جورج باتاي تمثل تجربة انتقال إلى حياة جديدة، بمعنى محاولة التوصل إلى المطلق بما أن الشيء الحقيقي الوحيد الذي يعيشه الإنسان فعلا هو تلك القيم العالمية الخارجة عن نطاق الزمن.
أمّا البحث الذي أعدّه مارك جيوم (Marc Guivaurne) عن جورج باتاي والاقتصاد فيبدأه بأن هذا الأديب الشاعر قد امضى أكثر من عشرين عاما في دراسة الاقتصاد ومشاكله ومحاولة التعبير عنها. ومن أهم مؤلفات جورج باتاي في هذا المجال كتابه المعروف بعنوان "مفهوم الصرف" الذي صدر عام 1933، وكتابه المعنون "الجزء الملعون" الذي صدر عام 1949، ويعدّ من أهم المؤلفات في علم الاقتصاد السياسي. ومن بين القضايا التي تناولها في هذا الكتاب "مشروع مارشال" الشهير وذلك الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في تنافسهما المرعب. ومن أهم المعطيات التي قدمها جورج باتاي في أبحاثه هذه –وفقا لكاتب المقال- «أن الفاقة لا تمثل المشاكل الأساسية للمجتمع وإنما البذخ المفرط والصرف غير المقنن» أما عن مساهمات جورج باتاي في المجلات الأدبية بشكل عام وإن مساهمته الفعالة في بعض المجلات الأدبية التي أنشأها مثل مجلة "آسيفال" (Acéphale) و"كريتيك" (Critique)، وذلك عبر مشواره الأدبي الاجتماعي الفلسفي الطويل، فقد كتب عنه دومينيك ليكوك (Dominique Lecoq) قائلا أن مساهمته لم تكن مثل بعض ما يقوم به بعض الأدباء من كتابات وقتية أو عابرة، وإنما مؤلفات فعالة دائمة، تعد من الدعائم الأساسية لانتشار واستمرار تلك المجلات.
ومن أهم مؤلفات جورج باتاي الأدبية فهو أنه ليس فكرا املائيا وإنما من منهجته اقتراح العديد من الرؤيا الذاتية المتفاوتة الوضوح بالنسبة للقراء.

وتتكون أعمال جورج باتاي من تسعة مجلدات، سوف يضاف إليها قريبا ثلاثة مجلدات أخرى بعد الانتهاء من طباعة أعماله التي لم تنشر، ولقد أثارت مؤلفات جورج باتاي العديد من الكتابات إلا أن أغلبية ما كتب عنه مقالات متفاوتة الطول أو القيمة وأن أول أهم بحث طويل صدر عنه وعن أعماله ذلك الكتاب الذي أعده ميشيل سوريا (Michel Surya) والذي أفرد مجلة "مجازين ليترير" (Magazine Littéraire) هذه الملزمة الطويلة من أجله. فهي تتكون من خمسمائة وستون صفحة، اعتمد المؤلف في كتابتها على شهداء عصر جورج باتاي وعلى مؤلفات الأديب جورج باتاي الذي رحل عن الساحة الفكرية الفرنسية منذ عشرين عاماً. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق